إخوان تونس و«أنصار الشريعة».. هل انتهت «العلاقة المُحرمة»؟
استخدموهم رأس حربة لتصفية خصومهم السياسيين و«قرص أذن» أمريكا وتحريك الشارع وإثارة الفتنة والفوضى، ثم لفظوهم.
هكذا انتهت «العلاقة المحرمة» بين إخوان تونس وتنظيم «أنصار الشريعة» الذي صنفوه بأنفسهم على لائحة الإرهاب، خوفا من أن ينقلب عليهم، ورضوخا لضغوطات خارجية.
سقط «أنصار الشريعة» في جب الإخوان، وبدا أن «زواج المصلحة» منح الجماعة كل ما تريده، وبذلك بات من الضروري وضع حد لتلك «العلاقة المحرمة» التي يحكمها الخفاء وتفضحها ملفات سوداء أغرقت تونس في دوامة الإرهاب والفوضى.
في البداية، كانت الصفقة كما يلي: تنفذ «أنصار الشريعة» كل ما يطلبه الإخوان ممثلين في ذراعها السياسية حركة «النهضة»، وفي مقدمة ذلك اغتيال المعارضين، وحشد الشارع، وتنفيذ عمليات إرهابية، وأيضا «قرص أذن» أمريكا عبر استهداف سفارتها في أبريل/نيسان 2012.
في المقابل، حصلت «أنصار الشريعة» على «شهادة ولادة» عبر تسجيلها كمنظمة غير حكومية في أبريل/نيسان 2011، كما استفاد قادتها من عفو عام ضمن ما عرف بـ«قانون العفو التشريعي»، والذي أقره الإخوان حين تولوا السلطة.
والقانون منح قيادات وعناصر بالتنظيم أولوية في التعيينات بالمؤسسات الحكومية، والحصول على تعويضات مالية.
وبناء على ذلك، مضت الخطة كما هو متفق عليها، ونفذ «أنصار الشريعة» نصيبهم من الاتفاق، حيث هاجموا السفارة الأمريكية، واغتالوا المعارض اليساري شكري بلعيد في 6 فبراير/شباط 2013.
ومن بعده، اغتالوا المعارض القومي محمد البراهمي في 25 يوليو/تموز من العام نفسه، كما شن التنظيم هجمات استهدفت بالخصوص جنودا من الجيش التونسي، علاوة على العديد من الأدوار الأخرى التي لعبها بشكل أو بآخر في بث الفتنة والفوضى.
لكن يبدو أنه حين طلب التنظيم من الإخوان الحصول على مقابل مجز لكل ما قام به، انقلب عليه الإخوان، في موقف صادم كان من الواضح أنه يجهز لإنهاء العلاقة.
فما الذي حدث؟
بعد أن حقق الإخوان أهدافهم بالتخلص من أشد خصومهم السياسيين، ومن الضغوط الداخلية بتحويل الاهتمام إلى الإرهاب في الجبال الغربية واستهداف العناصر الأمنية والعسكرية، كان لا بد من التخلص من رأس الحربة.
استفاد الإخوان من هجوم السفارة الأمريكية ومن الغضب والاستنكار الذي أثاره، فأطبقوا فخهم على «أنصار الشريعة»، فقاموا، بعد شهر واحد من اغتيال البراهمي، بتصنيف التنظيم «منظمة إرهابية».
أراد الإخوان بتلك الخطوة منح المجتمع الدولي -وخصوصا أمريكا- انطباعا بأنهم «على أتم الاستعداد لأن يضحوا ببعض أيديولوجياتهم لتفادي حدوث أزمة سياسية مكتملة الأركان»، بحسب دراسة صدرت في 2013 لـ«معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى».
وفي استعراضها لدوافع تغير العلاقة بين حركة النهضة الإخوانية و«أنصار الشريعة»، أوضحت الدراسة التي أعدها هارون زيلين، المتخصص في شؤون الأمن والإرهاب بشمال أفريقيا، أن «تغير حسابات الحزب الحاكم يرجح أنه ليس من قبيل الصدفة».
وأضافت أنه «في 22 أغسطس/آب 2013، وقبل تصنيف أنصار الشريعة في تونس جماعة إرهابية بأيام قليلة فقط، أعلن رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي أن الحزب كان على استعداد لتقديم التنازلات اللازمة لإنهاء المأزق السياسي».
وبذلك، ضمن الإخوان أن واشنطن ابتلعت الطعم، على الأقل مؤقتا، لكن كان عليهم تعزيز ذلك الوهم عبر إجراءات أخرى، أطلقت العنان لمعركة لي ذراع بين الطرفين.
وبحلول مايو/أيار من العام نفسه، كان وطيس المعركة في أشده، باحتدام شد الحبل بين وزارة الداخلية التونسية وأنصار الشريعة حول الترخيص لهذا الأخير بعقد مؤتمره بمشاركة أكثر من 40 ألف شخص.
في ذلك الحين، كان القيادي الإخواني علي لعريض الذي تولى وزارة الداخلية من 24 ديسمبر/كانون الأول 2011 إلى 13 مارس/آذار 2013، قد سلم حقيبته للطفي بن جدو، لكن ظلت الوزارة تحت رقابته بما أنه أصبح رئيسا للوزراء.
استثمر الإخوان ذلك التحول الهرمي، لضرب «أنصار الشريعة» بمقتل، حيث منعوهم من تنظيم مؤتمرهم، وفي الكواليس، كان هناك اثنان من الاحتمالات.
إما أن صفقة «أنصار الشريعة» والإخوان كانت تتضمن منذ البداية بندا ينص على مسرحية تتضمن فصولها مواجهة مفتعلة مع الإخوان ممن كانوا بالحكم حينها.
وهذا الطرح يمنح الإخوان أريحية بمواجهة المجتمع الدولي والظهور بمظهر المناهض للتنظيمات المسلحة والمتشددة، والأهم من كل ذلك التصدي بحزم لمن «تجرأ» واستهدف مقر السفارة الأمريكية بإحدى ضواحي العاصمة التونسية.
وإما أن الإخوان انقلبوا فعلا على حليف كان يعتبرونه منذ البداية مؤقتا، رغم ما يجمعهم مع من نقاط مشتركة تتعلق خصوصا بالأيديولوجيا.
ومهما يكن من أمر، بدا زعيم الإخوان حاسما وهو يصرح خلال مؤتمر صحفي عقده، في مايو/أيار 2013، بمقر حزبه (حركة النهضة) في تونس العاصمة، بالقول: «نحن نؤيد إصرار الحكومة على تطبيق القانون بشأن مؤتمر تنظيم أنصار الشريعة، فلا أحد فوق القانون في دولة القانون».
وأضاف الغنوشي أن: «العنف تحت غطاء الدين لا شرعية قانونية ولا إسلامية له»، معتبرا أن «أسوأ أشكال العنف ما يمارس باسم الدين»، في مفارقة عجيبة مع قيادي إخواني بيدين ملطختين بدماء التفجيرات والتطرف، وسجن بسبب ذلك في عهدي الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.
في ذلك الحين، كان الغنوشي يدرك أن هذا الانقلاب المفاجئ قد لا يكون مقنعا لمناوئيه ولا لعيون أمريكا التي كانت تتابع التطورات عن كثب في تونس.
ولذلك مضى بعيدا بمنح ما يشبه الانطباع بوجود خلافات داخل حزبه حول الموقف من «أنصار الشريعة»، حيث تعالت أصوات إخوانية تدعو للحوار مع هذا التنظيم بدلا من حظره.
واستكمالا لفصول المسرحية، زعم الغنوشي آنذاك أنه «مع الحوار مع السلفيين وغيرهم، لكن عندما يتحول الأمر إلى عنف وزرع قنابل يصبح الحوار مع أجهزة الأمن».
وبالفعل، انتقلت الأنظار من الموضوع الرئيسي، وهو المعركة بين الإخوان و«أنصار الشريعة»، إلى الانقسامات داخل حركة النهضة، قبل أن يطوي الزمن وتعاقب الأحداث تلك المعركة بجميع فصولها: الحقيقية والمفبركة.
aXA6IDMuMTM5LjgwLjE3MiA= جزيرة ام اند امز