أكثر من 200 تجربة علمية شارك رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي فيها خلال أول مهمة فضائية في تاريخ العرب، في إنجاز تاريخي غير مسبوق.
تجارب ستسهم نتائجها في مسيرة التقدم العلمي للبشرية وخدمة الإنسانية جمعاء، وقيادة العرب لتحقيق نقلة نوعية في هذا المجال المهم.
وأكد النيادي في تصريحات سابقة له أهمية مشاركته في تلك التجارب، قائلاً: "نحن هنا من أجل تعزيز المعرفة العلمية وتطوير التقنيات والرعاية الصحية لصالح الإنسانية".
وقال إنّها "فرصة مذهلة للمجتمع الطبي في دولة الإمارات وللعالم أجمع، وسنستمر في سعينا ونأمل أن يتاح لنا فرص أكثر في المستقبل للمشاركة في مهام فضائية، حيث يمكننا أن نقدم المساعدة للبشرية ونمثل بلادنا، الإمارات العربية المتحدة، داخل المجتمع العلمي وعلى الصعيد العالمي".
وقال سالم حميد المري، مدير عام مركز محمد بن راشد للفضاء، في تصريحات سابقة: "كل تجربة شارك فيها سلطان النيادي تُسهم في تعزيز رغبتنا نحو تحقيق تطورات علمية استثنائية، وتعكس مدى التزامنا بدمج تقنيات استكشاف الفضاء مع مختلف التخصصات العلمية والطبية، لكي يلعب برنامجنا الفضائي دورًا حاسمًا في تعزيز القطاعات المتعددة وليس فقط في مجال علوم الفضاء".
ويعود سلطان النيادي إلى الأرض يوم الإثنين 4 سبتمبر/أيلول، مختتما أطول مهمة فضائية في تاريخ العرب، حملت اسم "طموح زايد2"، واستمرت 6 أشهر.
وخلال هذه المهمة، شارك سلطان النيادي في أكثر من 200 تجربة علمية بالتعاون مع وكالات فضاء عالمية، وجامعات إماراتية، وتنوعت هذه التجارب بين مجالات مختلفة، مثل زراعة النباتات، والعلوم الإنسانية، وتقنيات استكشاف الفضاء، وسلوكيات السوائل، وعلم المواد، وإنتاج البلورات، وغيرها من التجارب العلمية المميزة، التي ستفيد المجتمع العلمي العالمي، والباحثين، والطلاب داخل دولة الإمارات وحول العالم.
ومع استعداد سلطان النيادي للعودة إلى الأرض، تلقي "العين الإخبارية" الضوء على أبرز التجارب العلمية التي شارك فيها وأهميتها:
مُسببات الأمراض في الفضاء
شارك سلطان النيادي في تجربة علمية لدراسة مُسببات الأمراض في الفضاء. أجريت هذه التجربة بالتعاون مع جونسون للفضاء التابع لوكالة ناسا، حيث سيتم تحليل نتائج الدراسة من خلال عينات الحمض النووي للنيادي التي تم جمعها في الفضاء وعلى الأرض.
تقوم هذه التجربة بتحليل مسببات الأمراض الميكروبية التي قد تتواجد داخل محطة الفضاء الدولية، وتتم هذه العملية من خلال جمع العينات البيولوجية.
وتهدف إلى تقديم فهم شامل لتأثيرات مُسببات الأمراض على نظام المناعة لدى رواد الفضاء. بعد ذلك، سيتم جمع عينات الدم من النيادي لتحليل أعمق لكيفية استجابة جهازه المناعي خلال مهمة فضائية طويلة المدى. ستوفر هذه التجربة نظرة جيدة حول نشاط مسببات الأمراض التي تسبب الجدري المائي للأطفال، والحزام الناري للبالغين مما يعرّض جهاز المناعة للمخاطر.
وحول هذه التجربة، قال عدنان الريس، مدير مهمة طموح زايد 2، برنامج الإمارات لرواد الفضاء: "من خلال هذه التجربة، نأمل أن نعزز فهمنا لبيولوجيا الفضاء ونسهم في بناء أسس قوية حول كيفية الحفاظ على مناعة رواد الفضاء بشكل أفضل أثناء فترة وجودهم في الفضاء".
تتم عملية جمع عينات من رائد الفضاء للكشف عن حالته المناعية المضطربة أثناء فترة وجوده في الفضاء، تُجمَّد هذه العينات بعد ذلك في محطة الفضاء الدولية. يتم بعد ذلك إرسال هذه العينات جنبًا إلى جنب مع العينات التي تم جمعها قبل وبعد الرحلة إلى مركز جونسون الفضائي، لتمثيل الحالة الطبيعية لجهاز المناعة في ظروف الجاذبية الأرضية. سيتم وضع هذه العينات مع نوعين مختلفين من البكتيريا، وهما البكتيريا العادية، والبكتيريا المتأثرة بالظروف الفضائية، على أن يتم دراسة هذه العينات بشكل مفصل بهدف فهم تأثير العوامل المختلفة عليها.
هذه التجربة عبارة عن دراسة استكشافية تهدف إلى تحليل تفاعل مسببات الأمراض مع جهاز المناعة البشري في الفضاء. نتائج هذه الدراسة ستساهم في تعزيز فهمنا لكيفية تفاعل جهاز المناعة مع البكتيريا العادية، وتلك المُتأثرة ببيئة الجاذبية الصغرى. سيكون لهذه الدراسة تأثير مباشر على رؤيتنا للأمور على الأرض، وستساعد في تقديم حلول طويلة الأمد لمجموعة متنوعة من الأمراض الفيروسية على الأرض وفي الفضاء على حد سواء.
تأثير بيئة الجاذبية الصغرى على وظائف القلب
أيضا شارك النيادي في تجربة Cardiobreath وهي عبارة عن تحليل مدى تأثير بيئة الجاذبية الصغرى على وظائف القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي، وتم إجراؤها بالتعاون مع وكالة الفضاء الكندية، وجامعة سيمون فريزر، وجامعة داكوتا الشمالية.
ويقوم رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية، خلال هذه التجربة، بمراقبة معدل ضربات القلب، وضغط الدم، ومستوى الأكسجين في الدم، وتخطيط القلب باستخدام قميص المراقبة الحيوية، الذي تم تطويره لصالح وكالة الفضاء الكندية.
تهدف هذه الدراسة إلى مراقبة التغيرات في كيفية تحكم أجهزة القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي لرواد الفضاء في ضغط الدم، بهدف ضمان بقاء الطاقم بصحة جيدة في طريق عودتهم من الفضاء.
و ستفيد التجربة في تحديد التدابير المضادة لمخاطر أمراض القلب والجهاز التنفسي في الفضاء. وسيفيد البحث أيضًا في دراسة وعلاج المرضى من كبار السن على الأرض.
وتعليقًا على هذه التجربة، قال عدنان الريس، مدير مهمة طموح زايد 2، في برنامج الإمارات لرواد الفضاء: "تُساعد دراسة Cardiobreath في تعزيز فهمنا لطبيعة المهمات الفضائية طويلة الأمد، وتوضيح كيفية تأثير الظروف المختلفة والأنشطة على طاقم محطة الفضاء الدولية".
وستسهم دراسة Cardiobreath في دعم رواد الفضاء؛ من خلال تحليل أنظمة القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي، وفهم تأثيراتها على ضغط الدم، كما ستسلط الدراسة أيضًا الضوء على الاضطرابات التي يمكن أن يُسببها انعدام الوزن، مع التركيز على مقارنة البيانات بين رواد الفضاء من الذكور والإناث.
إبطاء شيخوخة الأوعية الدموية
أيضا من بين التجارب التي عمل عليها النيادي في مختبر وحدة "كيبو" اليابانية، أبحاث عن جهاز القلب والأوعية الدموية.
وتهدف هذه التجربة توفير دراسة علمية لجهاز القلب والأوعية الدموية في المهمة، لتصبح منصة لاستكشاف الآليات المحتملة والمساعدة في تطوير التدخلات لإبطاء شيخوخة الأوعية الدموية، وتحسين الصحة وجودة الحياة لكل شخص على وجه الأرض
ديناميكيات السوائل
كذلك أجرى رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي دراسة "ديناميكيات السوائل في الفضاء" ضمن مهمته على متن محطة الفضاء الدولية.
وتم إجراء الدراسة بالتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية ووكالة الفضاء الفرنسية "CNES"، وقال النيادي إن الدراسة تأتي استكمالًا لسلسلة دراسات نفذها زميله الإماراتي هزاع المنصوري عام 2019.
وأضاف: "من الصعب توقع أسلوب السوائل على الأرض، والأصعب هو مراقبتها ودراستها في بيئة الجاذبية الصغرى، فكروا في الصعوبة التي يواجهها الشخص على الأرض عندما يحاول استخراج آخر قطرة من علبة عصير، فما بالكم بالصعوبة التي يواجهها رواد الفضاء في استعمال السوائل لأغراض مختلفة".
وتابع: "تتمحور دراسة ديناميكيات السوائل حول سلوكين: الأول تدفق السوائل في خزانات الوقود في المركبة، والثاني الاضطراب الموجي لأسطح السوائل"، مشيرًا إلى أن فهم سلوك السوائل في الفضاء يسهم في تحسين أنظمة توصيل الوقود في الأقمار الصناعية وزيادة عمرها الافتراضي عن طريق تحسين نظام إدارة الوقود، كما يمكنها في فهم علم المحيطات ومناخ الأرض وتحسين أنظمة التنبؤ بالتغيرات المناخية وتعزيز استخدام طاقة المحيطات المتجددة.
الإشعاع الفضائي.. إنجاز جديد
ومن بين التجارب المهمة، أعلن مركز محمد بن راشد للفضاء تحقيق النيادي إنجازا جديدا يتمثل في العمل على تجربة Lumina لدراسة درجات الإشعاع الفضائي بمحطة الفضاء الدولية.
وأجريت التجربة بالتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية، والمركز الوطني للدراسات الفضائية بفرنسا، وجامعة جان مونيه.
وتمثل تجربة "Lumina" أول مشروع لقياس جرعات الألياف الضوئية يتم تنفيذه في الفضاء بهدف تعزيز قدرة رواد الفضاء على معرفة مستويات الإشعاع التي يتعرضون لها أثناء وجودهم على متن محطة الفضاء الدولية.
إنتاج محاصيل غذائية بالفضاء
أيضا شارك رائد الفضاء سلطان النيادي في تجربة بعنوان "HRF VEG" على متن محطة الفضاء الدولية.
أجريت هذه التجربة بالتعاون مع مركز كينيدي للفضاء، ومركز جونسون للفضاء، ووكالة ناسا، وتهدف إلى تعزيز فهمنا للزراعة والتغذية في الفضاء.
وتركز دراسة "HRF-veg "على فهم الفوائد الصحية والسلوكية العامة لوجود النباتات والأغذية الطازجة المزروعة في الفضاء خلال البحث العلمي VEG-05، حيث يركز هذا البحث على زراعة الطماطم القزمية لدراسة تأثيرات الأسمدة على نمو محصول الطماطم، والمحتوى الغذائي، والنكهة، وسلامة الطماطم المُنتَجة، كما يبحث في التأثير النفسي على رواد الفضاء الذين يزرعون ويرعون ويستهلكون المنتجات الطازجة خلال المهمات الفضائية طويلة الأمد.
وقال عدنان الريس مدير مهمة طموح زايد 2، برنامج الإمارات لرواد الفضاء إن "تجربة HRF Veg تعد دراسة حاسمة تسهم في تعزيز الاستدامة في مجال استكشاف الفضاء، و يعزز هذا التعاون العلمي مع وكالة ناسا ومركز كينيدي للفضاء ومركز جونسون للفضاء فهمنا لطرق زراعة الطعام في الفضاء".
ويقوم رواد الفضاء الذين يتواجدون على متن محطة الفضاء الدولية، خلال هذه التجربة، بدور المزارعين، حيث يعتنون بالنباتات من خلال سقيها، وتلقيحها، وحصادها. بعد ذلك، يقوم الرواد بتذوق نصف الطماطم المنتجة، في حين يتم تجميد النصف الآخر وإرساله إلى الأرض لإجراء التحاليل الكيميائية والميكروبيولوجية.
كما يشارك رواد الفضاء في استكمال استبيانات لتوثيق جودة المنتجات مثل النكهة واللون والرائحة والحلاوة، وغيرها.
إنتاج بلورات البروتينات الخاصة بأجسام مضادة
وبالتعاون مع وكالة استكشاف الفضاء اليابانية “جاكسا”، شارك النيادي في تجربة إنتاج بلورات البروتينات الخاصة بالأجسام المضادة PCG2، على متن محطة الفضاء الدولية، داخل مختبر وحدة "كيبو" اليابانية، وهي التجربة التي تم إرسالها إلى المحطة الدولية على متن مركبة دراجون إكس–28، في السابع من يونيو / حزيران الماضي.
وعن التجربة التي من شأنها الإسهام في تعزيز فرص التعاون العلمي بين دولة الإمارات العربية المتحدة واليابان، قال عدنان الريس، مدير مهمة طموح زايد 2، التابعة لبرنامج الإمارات لرواد الفضاء: "تُعَدُّ هذه التجربة نقطة تحوُّل في مسيرة المساهمات العلمية لدولة الإمارات في مجال علوم الفضاء، فيما تؤكد التجربة كذلك التزامنا القوي بالتوسع في الشراكات العلمية الدولية، وتعزيز فهمنا للأنظمة البيولوجية المُعقّدة للمساهمة بشكل أكبر في إفادة البشرية".
تم اقتراح موضوع التجربة من قبل فريق بحثي في جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية، في الإمارات العربية المتحدة، بالتعاون مع كلية الطب في جامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في إطار التعاون بين مركز محمد بن راشد للفضاء، ووكالة استكشاف الفضاء اليابانية “جاكسا”، ووكالة الإمارات للفضاء، في مسعى لتأكيد أقصى فائدة ممكنة من الأبحاث العلمية في الفضاء ، لدعم القطاعات الحيوية التي تخدم الإنسان على الأرض وفي مقدمتها قطاع الصحة.
وستسهم تجربة PCG2 في تحليل إنتاج البلورات الخاصة بالأدوية في بيئة الجاذبية الصغرى، ما يسهل إنتاجها على الأرض وفي الفضاء، ويقصر مدة إنتاج أدوية جديدة.
تأثير بيئة الجاذبية الصغرى على النوم
وفي إنجاز تاريخي لدولة الإمارات في مجال علوم النوم وأبحاث الفضاء، شارك النيادي في تجربة علمية مهمة هدفت لدراسة أنماط النوم لرواد الفضاء في بيئة الجاذبية الصغرى.
وتم إجراء التجربة بالتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية والمركز الوطني للدراسات الفضائية في فرنسا والمركز الاستشفائي الجامعي في تولوز.
وتستخدم التجربة التي حملت اسم "Dreams" نظام DRY EEG حيث ارتدى رائد الفضاء النيادي، خلال التجربة جهازًا يوضع على الرأس لالتقاط مجموعة من البيانات المتعلقة بالنوم، مثل فترات دورة النوم، وتغيرات معدل ضربات القلب أثناء النوم وغيرها من الوظائف الحيوية.
وفي تعليقه على مشاركة النيادي في هذه التجربة، قال عدنان الريس، مدير مهمة طموح زايد 2، برنامج الإمارات لرواد الفضاء: "تسهم هذه التجربة في تعزيز فهمنا لقدرة جسم الإنسان على التكيّف مع بيئة الجاذبية الصغرى، وستكون للتجربة، نتائج ذات أهمية كبيرة لإنجاح المهمات الفضائية طويلة الأمد، بما في ذلك المهمات المستقبلية إلى القمر والمريخ".
ويُعَد تأثير المهمات الفضائية على الوظائف الحيوية والعقلية والسلوكية لرواد الفضاء مجالًا مهمًا للدراسة في إطار تجربة "Dreams"، حيث يعيش رواد الفضاء ظروفًا فريدة من نوعها على متن محطة الفضاء الدولية، أبرزها تعرضهم لـ 16 شروقًا وغروبًا للشمس في اليوم الواحد، ما يؤثر بشكل كبير على أنماط النوم الخاصة بهم.
وتهدف هذه التجربة إلى تقديم نتائج علمية تساعد في تخطيط وتطوير العلاجات اللازمة للمشكلات الذهنية الناجمة عن الظروف المحيطة برواد الفضاء؛ بهدف تحسين نوعية النوم والصحة العامة خلال المهمات الفضائية طويلة الأمد.