سلطنة عمان.. إرث ديمقراطي يبشر بمستقبل مشرق
الإرث الحضاري والتجربة التي تحاكي الديمقراطيات الحديثة بدأتها سلطنة عمان منذ عقود ولا تزال تسير نحو مستقبل مشرق يدعمها كثير من الخصائص.
لعل أكثر ما يميز سلطنة عمان تجربتها الديمقراطية؛ فهي منذ البداية أقامت دولة تقوم على أساس الانتخاب، وتؤمن بمبدأ سيادة القانون.
هذا الإرث الحضاري والتجربة التي تحاكي الديمقراطيات الحديثة، بدأتها سلطنة عمان منذ عقود مضت، ولا تزال تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل مشرق، يدعمها في ذلك كثير من الخصائص التي تتمتع بها؛ ومن بينها الدور المركزي للقيادة السياسية، وعلى رأسها السلطان قابوس في قيادة المسيرة الديمقراطية؛ إذ استطاع بحنكة سياسية أن يوطد حكمه في البداية بتأمين الجبهة الداخلية، وتحقيق الأمن والاستقرار، ثم أطلق مسيرة النهضة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية.
بجانب الانفتاح السياسي المتدرج والحذر، ومحاولة التوفيق بين الثوابت في القيم والتقاليد في مجتمع قبلي، ومتطلبات الحياة العصرية؛ فقد بدأ التحرك الديمقراطي مبكرا منذ عام 1970، بالإضافة إلى قابلية الاستمرارية في التطوير والتحديث، لا سيما بعد تبني دستور مكتوب، والالتزام بالاستمرار في إجراء الانتخابات في مجتمع يتقدم بخطى حثيثة في مجالات التعليم والصحة وتمكين المرأة، وفي ظل ظروف دولية مواتية لنشوء الديمقراطية وتعزيزها، واحترام حقوق الإنسان.
وفي ظل ما يشهده المسار الديمقراطي العربي من حراك مطرد، تبرز التجربة الديمقراطية في سلطنة عمان، التي تحتفل، الإثنين، بعيدها الوطني التاسع والأربعين، شامخة مع تحقيق عديد من الإنجازات على كل الأصعدة.
المزايا التي تتمتع بها السلطنة تختلف عن بقية دول المنطقة؛ ومنها قدرتها على السير في تجربتها التنموية برؤية واضحة مكنتها من الوصول إلى دولة المؤسسات والقانون، وذلك من خلال المشاركة السياسية، وحكم القانون على نحو يكفل تفاعل أجهزة الدولة على أسس واضحة تتيح للمواطن أو المقيم أن يعرف حقوقه وواجباته.
فقد بدأت المسيرة الديمقراطية منذ عام 1970، ولكن بطريقة تدريجية وبجرعات مخففة لا تحدث ضررا للنظام الاجتماعي للبلد؛ فالعملية بدأت متواضعة، ولكنها لم تتوقف أو تتراجع وإنما تسير إلى الأمام وفق خطى ثابتة.
وهناك أيضا التكامل بين عناصر التنمية المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تستدعي المشاركة الوطنية الفعالة، وبدأت عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية مبكرا، ونظرا للإمكانات والظروف الاقتصادية للدولة؛ فقد تم بناء بنية أساسية متقدمة مهدت الطريق لعملية البناء الاجتماعي والتحول الديمقراطي مع قابلية الاستمرارية في التطوير والتحديث.
دولة القانون والمؤسسات
العملية الديمقراطية في السلطنة ساعد على استمرارها تبني دولة المؤسسات والقانون، والالتزام بالاستمرار في إجراء الانتخابات في مجتمع يتقدم بخطى حثيثة في مجالات التعليم، والصحة، وتمكين المرأة، وفي ظل ظروف دولية مواتية لنشوء الديمقراطية وتعزيزها، واحترام حقوق الإنسان.
التجربة الديمقراطية ليست مجرد إجراءات ومؤسسات سياسية ودستور، ومجلس ديمقراطي، وانتخابات دورية؛ إذ لا بد من توافر ثقافة سياسية للمجتمع، وهي التي بنيت وترسخت خلال العقود الماضية بفضل القيادة الحكيمة للسلطان قابوس بن سعيد.
السلطنة أرست منذ فجر النهضة أسس وقواعد دولة المؤسسات والقانون، من خلال حزمة من التشريعات والمبادئ الدستورية والقانونية التي أسهمت في تحقيق مبادئ العدل والمساواة بين كل المواطنين دون تفرقة على أي أساس، وتعمل الحكومة بشكل مستمر على صياغة وتجديد هذه القواعد بما يتناسب مع عملية تطوير بقية المؤسسات.
دولة عصرية
الدولة العصرية العمانية الحديثة خططت بحكمة للانتقال إلى دولة القانون والمؤسسات وصولا إلى التطور الديمقراطي في عمان، وكان الهدف بناء نظام ديمقراطي نابع من الجذور التاريخية لهذا المجتمع، وليس نظاما ديمقراطيا مستوردا، نظام يساعد المجتمع والدولة على اتخاذ القرارات والسياسات المناسبة التي تخدم البلد والمواطن منطلقا من معتقد سياسي وثقافي لا يمكن لأي منبر ديمقراطي أو حوار اجتماعي أن يكون فعالا، إلا إذا تميز بقيم وتوجهات سياسية مثل الاعتدال في قراراته، مراعيا الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للدولة والمجتمع، والتسامح الذي هو أساس المصالحة.
التجربة العمانية تقدم مثالا رائعا على مرونة الحكم؛ إذ قاد السلطان قابوس الدولة والمجتمع نحو التحديث بخطوات ذكية وهادئة ومحسوبة، لتجنب أي مفاجآت أو تغيرات جذرية غير مقبولة في مجتمع محافظ.
ويمكن القول إن الظروف الدولية أصبحت مواتية أكثر مما كانت في الماضي في تعزيز التوجهات الديمقراطية في العالم العربي. وعليه، فإنه من المتأمل أن تسهم البيئة الدولية في تعزيز التوجهات الديمقراطية في العالم العربي، ودول الخليج، ومنها عمان، فتمكن الديمقراطية من بناء دولة القانون والمؤسسات، واحترام حقوق الإنسان، يجنب سلطنة عمان وغيرها من الدول العربية الضغوط والتهديدات الخارجية، ويقوي جبهتها الداخلية أمام الطامعين.