في المستشفيات وباص "الفقراء".. عراقيون يبحثون عن "قيلولة" باردة
شهدت مستشفيات بغداد تزاحماً على ردهات الطوارئ خلال الـ72 ساعة الماضية بتسجيل حالات دخول لمراجعين لم تشخص لديهم أي اعراض مرضية.
وقال مصدر طبي في أحد المستشفيات الواقعة شرقي بغداد إن "أغلبهم جاء مدعياً الإعياء والمرض بغرض تسجيل الرقود في المستشفى هرباً من ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي في منازلهم".
وأوضح المصدر، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "المستشفيات الحكومية بشكل عام مستثناة من الإطفاء وانقطاع التيار الكهربائي، ومزودة بأنظمة تبريد مما دفع بهؤلاء إلى ادعاء المرض حتى ينعمون بقيلولة قصيرة".
ويقول طبيب مقيم، مسؤول عن تلقي الحالات الحرجة والطارئة إن "بعضا ممن يدعون المرض رفضوا مغادرة المستشفى بعد إجراء الفحوصات اللازمة لهم، وطالبوا الكوادر الطبية بتمديد بقائهم لساعات أكثر".
وشهدت منظومة الطاقة الكهربائية في العراق، منذ الثلاثاء الماضي، حالة شبه انهيار كامل نتيجة تعرض بعض أبراج النقل الفائق إلى استهدافات بالعبوات الناسفة والصواريخ، مما تسبب بانقطاع تام للتيار في 3 محافظات جنوبية.
وعند ليل الخميس الماضي، عاش العراق باستثناء محافظات إقليم كردستان، ظلاماً كلياً تزامن مع تجاوز درجات الحرارة حاجز الـ50، مما حدا بالعديد من المواطنين للذهاب إلى خيارات متعددة للتخفيف عن معاناتهم، من بينها الجلوس في خزانات المياه والدفع بأطفالهم الرضع إلى الثلاجات المنزلية.
وعبر العراقيون، عن استيائهم من انقطاع التيار الكهربائي وتركهم أمام مواجهة غيض الصيف اللاهب بخراطيم المياه وأدوات بدائية عرفت منذ بدايات ظهور البشرية كاستخدام "مراوح" القصب اليدوية.
وعلى الرغم من معالجة الخلل في المنظومة الكهربائية ورجوع التيار تدريجيا بحسب تصريحات عراقية رسمية، الخميس، إلا أن مستوى التجهيز بالطاقة لا يتعدى أكثر من 8 ساعات في اليوم.
ويقول حيدر المكصوصي، ذو العقد الثلاثيني وبرفقته أخوه الأصغر، إنه "رغم مخاطر الدخول إلى المستشفيات وخطر عدوى كورونا في ظل ارتفاع الإصابات وظهور السلالات الفتاكة من المرض إلا أن ذلك أخف وطأة من العيش في جحيم المنازل اليتيمة من الكهرباء".
ويقصد المكصوصي المكوث في المستشفى هو وأخوه لقضاء ليلة تحت فوهات التبريد المركزي وبعدها سيقرر أين ستكون وجهته الأخرى.
ويخشى أن يكون لا يجيد دور المرض ويكشف زيف ادعائه أمام الكادر الطبي في المستشفى مما يحول دون السماح له بالرقود، ويضيف: "ليس لدي ما أخشى خسارته.. محاولة عسى أجد عندها ضالتي".
وعلى ما يبدو أن العراقيين سرعان ما وجدوا الحلول المؤقتة والمخارج الطارئة، فالمستشفيات ليست وحدها جنة المعدمين من الحر، فهنالك باصات نقل الركاب المزودة بنظام تكييف والمقاعد المريحة.
يتحدث موظف في مصلحة الركاب، يعمل لجمع تذاكر الزبائن عند باص ينتهي مساره عند منطقة باب المعظم قائلا إن "الطابق الأعلى من الحافلة بات أشبه بفندق لزبائن دائمين".
ويوضح محمد أن "باصات النقل الحكومية سجلت إقبالاً كبيراً من قبل الزبائن في أوقات من النهار لم نسجلها من قبل".
في ممر الحافلة عند الطابق العلوي، وخلال عمله بجمع التذاكر، يجد محمد أن اثنين من الركاب قد افترشوا الأرض ودخلوا في نوم عميق.
يحاول محمد إيقاظهم وإلزام الراكبين بالجلوس على المقاعد، إلا أنهم لم يكترثوا لندائه، فيما ينبري آخر كانت قد بدت عليه غفوة قصيرة يجلس بجوار النافذة: "دعهم إنهم قدموا طلبات لجوئهم الإنساني من الحر".
وفي مشهد آخر، يقول جامع التذاكر، إن "أحد الراكبين صعد إلى الحافلة منذ بدايات النهار ولم يغادر الباص حتى حلول المساء".