مودي إلى بكين.. الهند والصين نحو دبلوماسية أكثر تنسيقًا؟

لا يمكن النظر إلى علاقة الصين والهند كمسألة ثانوية، نظرًا لمكانة الدولتين كأكثر بلدان العالم سكانًا وثاني وثالث أكبر اقتصادات العالم.
وبحسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، انشغل العالم في أكتوبر/تشرين الأول 1962، بأزمة الصواريخ الكوبية بينما اندلعت حرب حدودية بين الصين والهند.
ورغم مرور أكثر من ستة عقود، يعيد التاريخ نفسه بطريقة مختلفة.
ففي الوقت الذي تتركز فيه الأنظار على مسار الحرب الأوكرانية وإمكانية التقارب بين الولايات المتحدة وروسيا،تتطور العلاقة بين الصين والهند لتصبح ذات وزن أكبر بكثير مما كانت عليه في الماضي.
استقلال استراتيجي
في نهاية أغسطس/آب الجاري، يتجه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى بكين للقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ، في زيارة ستكون الأولى من نوعها منذ 2018، ما يمنحها أهمية مضاعفة خاصة أنها تأتي بعد سنوات من التوتر إثر اشتباكات حدودية دامية عام 2020.
وفي حين تُعد الزيارة محاولة لإعادة ضبط العلاقات الثنائية، فإنها تعكس في الوقت نفسه اتفاق البلدين على فلسفة "الاستقلال الاستراتيجي" لسياستهما الخارجية.
وترفض بكين ونيودلهي الانحياز الكامل إلى الغرب أو الانخراط في تكتلات أمنية بقيادة واشنطن.
وتشترك الصين والهند في عدة سمات، فكلتيهما ترى نفسها "دولة حضارية" تسعى لقيادة الجنوب العالمي، كما تطالب بكين ونيودلهي بنظام دولي متعدد الأقطاب أكثر عدالة.
والأولوية لدى البلدين هي التنمية الاقتصادية الداخلية، مع الحرص على أن يُنظَر إليهما كقوى "إصلاحية" لا كقوى معادية للغرب.
توافق
تجلّى هذا التوافق بين الهند والصين في تصويتهما المتشابه داخل الأمم المتحدة، ودعمهما لنُظُم بديلة عن البنية المالية الغربية، إلى جانب تقاربهما مع أنظمة غير ديمقراطية في آسيا وأفريقيا.
وأشارت بحسب "فورين بوليسي" إلى أن أحد العوامل المحورية وراء التقارب بين البلدين هو تدهور علاقاتهما مع الولايات المتحدة.
وترى الصين أن واشنطن شريك غير موثوق، في حين توترت علاقة الهند مع الولايات المتحدة بسبب الانتقادات الغربية لسجلها الديمقراطي وحقوق الإنسان، فضلاً عن خلافات تجارية وسياسية، مثل اغتيالات يُشتبه بضلوع نيودلهي فيها بالخارج.
وازداد الوضع سوءًا مع فرض إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعريفات جمركية قاسية على الهند ووصفها بـ"الاقتصاد الميت"، وهو ما جاء بالتزامن مع التقارب المفاجئ بين الولايات المتحدة وباكستان.
وهذا التراجع في العلاقات الأمريكية الهندية دفع نيودلهي إلى إعادة تقييم دورها داخل منظمة شنغهاي للتعاون، بعدما كانت مترددة في إضفاء أهمية كبرى على المنظمة لكنها تنظر إليها اليوم كمنصة بديلة لتعزيز التعاون الإقليمي في مواجهة الغرب.
ومن أبرز النقاط التي يراقبها المحللون إمكانية إحياء إطار "روسيا-الهند-الصين" الذي تأسس في تسعينيات القرن العشرين كمنصة لتنسيق المواقف ضد الهيمنة الغربية.
وإذا حدث هذا فسيكون إشارة على استعداد أكبر لدى الدول الثلاث على التنسيق بشأن قضايا كبرى مثل إصلاح النظام المالي العالمي وتسوية التجارة بالعملات المحلية، وتقليل الاعتماد على الدولار.
شكوك
رغم بوادر الانفراج بين الهند وباكستان لا تزال الشكوك المتبادلة قوية، فالنزاع الحدودي بين البلدين لم يتم حله، إضافة إلى عدد من القضايا الشائكة مثل مستقبل إقليم التبت، ومشروعات الصين المائية الضخمة، وعلاقتها "الوثيقة" مع باكستان والتي تظل جميعها نقاط خلافية رئيسية.
من جانب آخر، يثير التنافس على النفوذ في جنوب آسيا، الحذر في نيودلهي، حيث تقيم بكين شراكات اقتصادية وأمنية متنامية مع جيران الهند.
ومع ذلك، هناك إشارات على استعداد الطرفين لتجاوز الخلافات فزيارة وزير الخارجية الصيني الأخيرة إلى نيودلهي تضمنت اتفاقًا على "إطار عادل ومعقول" لتسوية مسألة الحدود، إضافة إلى إجراءات لتسهيل حركة الأفراد واستئناف الرحلات الجوية المباشرة.
وفي الوقت نفسه، تلعب الحاجة الاقتصادية دورًا حاسمًا حيث تسعى الهند لأن تصبح مركزًا صناعيًا عالميًا لكنها لا تستطيع الاستغناء عن المكونات والمواد الخام الصينية.
وأخيرا، قد لا يمثل هذا التقارب تحالفًا استراتيجيًا صلبًا، إلا أنه يُظهر أن الرهان الغربي على الهند كـ"موازن استراتيجي" للصين لم يعد واقعيًا.
فعلى العكس، قد يتحرك البلدان نحو سياسات خارجية أكثر تنسيقًا، بما يعزز النظام الدولي متعدد الأقطاب ويُضعف ركيزة أساسية في الاستراتيجية الأمريكية لاحتواء بكين، وفق المجلة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTUwIA== جزيرة ام اند امز