قد يبدو هذا الخليط غريبا بعض الشيء. نحن نعرف عن اتفاق سايكس ـ بيكو الذى عقد فى 16 مايو 1916، أى أن ذكراه المئوية جاءت هذا العام
قد يبدو هذا الخليط غريبا بعض الشيء. نحن نعرف عن اتفاق سايكس ـ بيكو الذى عقد فى 16 مايو 1916، أى أن ذكراه المئوية جاءت هذا العام. ولكن ما العلاقة مع الممثل المصرى والعالمى عمر الشريف الذى توفى منذ عامين؟ الإجابة باختصار هى لورانس العرب.. ولنفصل.
أهم ما يربط منطقتنا باتفاق سايكس ـ بيكو ذى المائة عام هو قرار ومخططات تقسيم المنطقة العربية معتمداً على التحالف مع فرنسا وخاصة بريطانيا الذى كان كل هدفهم هو هزيمة العثمانيين، حلفاء الألمان. حلقة الوصل بين الأمير فيصل بن حسين والقوى الغربية المهيمنة كان الشاب الانجليزى خريج جامعة أكسفورد، عالم الحفريات الناشئ ألا وهو توماس إدوارد لورانس (1888 ـ 1935)، أو لورانس العرب.
يكتنف دور لورانس العرب فى الثورة العربية الكثير من الخلافات بين المؤرخين، عربا وأوروبيين. حتى بداية حياته نفسها غير تقليدية بالمرة، فهو ولد كابن غير شرعى من علاقة خارج إطار الزواج بين السير توماس تشابمن من طبقة النبلاء الأيرلنديين والمربية الاسكتلندية، سارة جونار، والتى كانت هى نفسها ابنة غير شرعية ! ولكن ترك السير تشابمن بعد ذلك زوجته الأولى وتزوج من المربية وانتقلا للمعيشة بعيدا عن أيرلندا أو اسكتلندا ليعيشا فى أكسفورد باسم السيد ومدام لورانس، حيث بدأ توماس أو لورانس الصغير دراسته فى إحدى مدارس أكسفورد فى سنة 1896، ثم استكمل دراسته الجامعية فى كلية المسيح ليتخصص فى التاريخ، وبدأ عمله فى الحفريات فى 1915 وحتى قيام الحرب العالمية الأولى فى سنة 1914 فيما يعرف الآن بسوريا. حياة لورانس المهنية هى أيضا يكتنفها الغموض. فقد دخل عالم الدبلوماسية، وكذلك الجيش البريطاني، ثم اختفى بعض الشيء فى سنة 1922 عن الحياة العامة، ولكن كانت نتيجة هذا الغياب أهم كتبه عن قصة حياته، وخاصة اندماجه فى الثورة العربية، ألا وهو كتاب : »أعمدة الحكمة السبعة«.
ما قام بتخليد لورانس العرب على المستوى الشعبى الغربى والعربي، هو الفيلم بنفس الاسم فى سنة 1962، والذى قام فيه الممثل البريطانى الشهير بيتر أوتول بدور لورانس، بينما قام بدور الأمير فيصل الممثل المصرى عمر الشريف، والذى كان هذا أول دور رئيسى فى فيلم غربي، والذى انتقل على أثره إلى العالمية، وعن حق. كعادة مثل هذه الأفلام، فإن فيه الكثير من الرومانسية، بداية من هذه المقابلة الرائعة الأولى بين لورانس والأمير فيصل ـ أو عمر الشريف ـ وهو فارس مهيب يعدو بحصانه وسط رمال الصحراء المتحركة، ومحاولة كل منهما اكتشاف الآخر وتأسيس علاقة وثيقة أدت فى النهاية إلى تعقيد الثورة العربية واندحار الامبراطورية العثمانية، ولكن دون الدولة أو الكونفيدرالية العربية المستقلة كما وعد الغربيون، بل دويلات صغيرة هنا وهناك، وكذلك إصدار وعد بلفور فى سنة 1917، أى بعد سايكس ـ بيكو بعام واحد والذى أعطيت بموجبه فلسطين لإنشاء دولة يهودية. وحتى فى هذا الوعد واتفاق التعاون الذى تلاه بين الأمير فيصل وحاييم وايزمان، عالم الكيمياء اليهودى والذى أصبح أول رئيس لدولة إسرائيل، لعب لورانس دوراً رئيسيا فعلا.
فى كتابه عن قصة حياته ـ أعمدة الحكمة السابعة ـ يتكلم لورانس عن اقتناعه بقضية العرب وعلاقته بالأمير فيصل (كما كان يمثله عمر الشريف)، ولكن النتيجة الحقيقية بعيداً عن التمثيل وحتى النوايا، هو أن الخاتمة كانت عدم تنفيذ الوعود الغربية، وتقسيم العرب الى دويلات ودون أى محاولة لاستشارتهم. ويستخدم العديد من المحللين هذه النتيجة لإثبات أن لورانس ما كان إلا رجل المخابرات البريطانى الذى علمته الإمبراطورية اللغة العربية، ودعم علاقاته مع قائد الثورة العربية آنذاك، الأمير فيصل واستخدام هذه العلاقة لهزيمة الامبراطورية العلمانية ولكن دون تحقيق حلم العرب فى الاستقلال.
وفى الحقيقة هذا تفسير منطقى لأحداث هذه الفترة التى أسست لأحوال المنطقة العربية، وبالتعاون مع بعض قادتها ـ عن قصد أو معرفة أم لا.
يشترك كل من قصة لورانس العرب واتفاقية سايكس ـ بيكو فى استخدام العرب لتنفيذ خطط غربية تم «طبخها» عن مصير المنطقة وراء الأبواب المغلقة. هى ليست ممارسة جزئية بل منظومة وحتى تركيبة ذهنية فى التعامل الخارجى مع المنطقة. ولنتذكر ما حدث بعد 40 عاما من سايكس ـ بيكو ولورانس العرب، أى منذ 60 عاما عقب تأميم شركة قناة السويس فى سنة 1956 ثم المؤامرة البريطانية الفرنسية، الاسرائيلية لتخطيط العدوان الثلاثي. الكتابات الغربية عن هذه الأحداث الثلاثة تؤكد وجود هذه المنظومة فى الفكر والممارسة داخل التركيبة الذهنية الغربية.
ألا يذكرنا كل هذا بما يحدث فى سوريا حاليا ؟ كيف تستمر هذه الحرب الدامية ؟ ومن يتخذ بالضبط القرار فى هذا البلد الجريح ؟هل مازلنا ضحية قرارات خارجية فى الماضى وحتى الحاضر، ولم نتعلم من أيهما لتخطيط المستقبل ؟!
نقلا عن / الأهرام
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة