ن المفترض أن ينهي لبنان اليوم حالة الفراغ الرئاسي المستمرة منذ 25 مايو/ أيار 2014، فيما بدا أنها تسوية بين الرئيس سعد الحريري والجنرال ميشال عون
من المفترض أن ينهي لبنان اليوم حالة الفراغ الرئاسي المستمرة منذ 25 مايو/ أيار 2014، فيما بدا أنها تسوية بين الرئيس سعد الحريري والجنرال ميشال عون، وقد سبق ذلك سلسلة من الحوارات المطولة، وغير الجدية، بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» التي كانت تهدف، من بين ما تهدف إليه، تمرير الوقت، بانتظار أن ينجلي غبار المعارك في سوريا والعراق، مع علم الطرفين بأن الصراع الإقليمي هو صراع استراتيجي، ولا يمكن حسمه بسهولة، خصوصاً مع دخول قوى دولية على خط الصراع، وتحديداً اللاعب الروسي الباحث عن دور دولي، عبر بوابة المتوسط.
إذاً، ما الذي تغير في الواقع اللبناني، كي يمضي الرئيس سعد الحريري في دعم ترشيح الجنرال عون للرئاسة؟ والسؤال الأهم: هل يأتي هذا الدعم من قبل الرئيس الحريري لخصمه كاعتراف بالهيمنة الإيرانية في لبنان؟
في الواقع اللبناني، بات مؤكداً أن استمرار لبنان في حالة الفراغ الرئاسي، وما يستتبعها من شلل في المؤسستين التنفيذية والتشريعية، هو من مصلحة اللاعب الإيراني، خصوصاً إذا ما قسنا المشهد اللبناني على نظيره العراقي، إذ يبدو واضحاً في العراق عدم اهتمام إيران بتقوية مؤسسات الدولة، وخصوصاً مؤسسة الجيش، والتي باتت مؤسسة مترهلة وفاسدة، لمصلحة تقوية نفوذ الميليشيات، والتي بات بعضها أشبه بجيشٍ موازٍ للجيش، لكنه يتمتع باستقلالية القرار، وتمويلٍ خاص، وعلاقات مباشرة مع صانع القرار في طهران.
وبالتالي، فإن انتخاب رئيس جمهورية للبنان، من الناحية النظرية على الأقل، من شأنه أن يحد من حالة الانهيار المؤسساتي، وأن يحرّك اللعبة السياسية، ويعيد بعض التوازن إلى الحركة الاقتصادية، ويضمن بعضاً من حالة الاستقرار النسبي، خصوصاً أن الصراع الإقليمي يزداد حدة، ولا يبدو أن نهايات واضحة تلوح بالأفق، ومن هنا، فإن فريق 14 آذار، يرى بأن التوافق على الجنرال عون هو قرار مرير، لكنه يبقى قراراً يصب في المصلحة الوطنية العليا من جهة، ويقطع الطريق على هيمنة كاملة لحزب الله على القرار اللبناني.
لكن، بالمقابل، فإن تسوية كهذه، لم تكن ممكنة الحدوث من دون مراجعات سياسية مهمة في دائرة الرئيس الحريري، ومشاورات بين تيار المستقبل والدول الفاعلة في الملف اللبناني، ومن دون الأخذ بالحسبان تعقيدات الوضع السوري، وغياب أي أفق واضح للحل السياسي فيه، خصوصاً على وقع التغيرات الديموغرافية المستمرة، وتحول الصراع الداخلي إلى صراع إقليمي ودولي، وكلها مؤشرات كان من شأنها أن تدفع تيار المستقبل، على أقل تقدير، إلى القبول بمنطق التسوية، وهو الأمر الذي تراه بعض القوى المؤثرة في لبنان، وخصوصاً فرنسا، بأنه خيار عقلاني، يمكن من خلاله تصويب التوازنات الداخلية، والحفاظ على مؤسسات الدولة.
لكن، وفي الوقت نفسه، فإن تيار المستقبل، وفريق 14 آذار، قد وصلا إلى قناعة مضمونها بأنه لا يمكن تجاوز نفوذ اللاعب الإيراني، وحليفه الداخلي «حزب الله»، وأن الاهتمام الرئيسي ل «حزب الله»، على امتداد السنوات الماضية، هو الساحة السورية، والتي يتحدد من خلالها وجوده العسكري، ومستقبل سلاحه، وطرق الإمداد الإيرانية له، وبالتالي فإن دوام الحال على ما هو عليه لا يؤثر في «حزب الله»، بل إنه يزيده نفوذاً داخل لبنان، ومن هنا، فإن فريق 14 آذار، وخصوصاً تيار «المستقبل»، يحاول من خلال هذه الخطوة أن يعيد خلط الأوراق، ويحرّك حالة الجمود الداخلية، وكسب الوقت من أجل إعادة بناء خريطة التحالفات، بانتظار متغيرات في سوريا والإقليم.
لكن، من المفيد في هذا السياق الوقوف عند منطق قبول التسوية، باعتباره اختباراً لمنطق التسويات في عموم المنطقة، فمختلف الأطراف حاولت جاهدة الابتعاد عن منطق التسويات، واللجوء إلى حرب استنزاف بالوكالة، وبات واضحاً أن مخاطرها الاستراتيجية مكلفة على الجميع، ومن هنا فإن نجاح التسوية في لبنان هو مؤشر فعلي على قبول جزئي بمنطق التسويات السياسية، من دون المبالغة بأن هذا المنطق قد يكون هو السائد على المدى المنظور، خصوصاً أن رسم حدود النفوذ، لكل قوة على حدة، ما زال بعيداً.
وبناءً عليه، فإن التسوية التي مهدت للجنرال عون الوصول إلى سدة الرئاسة ليست تسوية داخلية، أو قبولاً داخلياً من قبل فريق 14 آذار بعدم القدرة على الاستمرار في مواجهة «حزب الله»، وإنما هي توافق إقليمي، وحالة اختبار في الوقت ذاته، وهي ليست مؤشراً على نهاية حالة الخلاف السياسي في لبنان، وإنما إدارة الصراع بطريقة جديدة، فما زالت الهوة في المواقف واسعة، ولا يمكن لخطوة مثل انتخاب رئيس أن تعلن بداية نهاية تلك الهوة، بل إننا سنشهد فصولاً جديدة من الصراع الداخلي، فطالما أن الإقليم ما زال ملتهباً فإن لبنان لا يمكن أن ينأى بنفسه بعيداً، وجل ما يمكن توقّعه هو هدنة مهددة بالفشل في أي وقت.
نقلا عن / الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة