إذا وضعنا المزايا النسبية لدونالد ترامب وهيلاري كلينتون جانبا، فكيف يمكن لأميركا أن تجري مثل ذلك التغيير المضاد غير المتوقع؟
في مؤتمر برلين للدبلوماسيين والأكاديميين والصحفيين والناشطين في مارس الماضي، سألني زميل بريطاني: كيف يجوز لنفس البلد الذي انتخب باراك أوباما مرتين أن يختار مرشحا للرئاسة ليحل محل رجل له عكس صفات خلفه. وبعبارة أخرى، إذا وضعنا المزايا النسبية لدونالد ترامب وهيلاري كلينتون جانبا، فكيف يمكن لأميركا أن تجري مثل ذلك التغيير المضاد غير المتوقع؟
يعاني الأوروبيون العديد من المخاوف الحقيقية في هذه الأيام إزاء حليفتهم أميركا، وجزء من هذه المخاوف يتعلق بحلف شمال الأطلسي وضمان موثوقيته في الأمن الذي يعتمد على واشنطن وقدرتها على التنبؤ، مما جعل حلفاء وشركاء أميركا في جميع أنحاء العالم الآخر يتبادلون مخاوفهم. وفي الواقع، يتعيّن على خصوم أميركا ودول عدم الانحياز أن تأخذ في الاعتبار عدم اليقين حول الاتجاه المستقبلي لسياسة الولايات المتحدة الخارجية.
منذ نهاية الحرب الباردة، تحدت أميركا إلى حد ما علماء السياسية في الترنح ما بين سياسة بيل كلينتون الأممية، وجورج دبليو بوش الأحادية، وباراك أوباما الواقعية الحذرة. ومع ذلك، فقد انطلقت تلك السياسات في خط متعرج نوعا ما بالمقارنة مع ما يمكن أن يحدث في يناير عام 2017، حيث تتبع هيلاري كلينتون سياسة الليبرالية المتشددة، ويتبع دونالد ترامب "الديمقراطية الجاكسونية" التي قد جلبت معها ما لم يسبق له مثيل من عدم اليقين حول إستراتيجية الولايات المتحدة الكبرى.
إن مستوى القيادة الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية التي تمارسها الولايات المتحدة يُعد نتاج مدى ثقة شعبها في قوتها، أما الأميركيون اليوم فهم أكثر انقساما بشأن تلك القوة. فمقارنة مع عام 1996، فإنهم يرون أنها نسبتها قد انخفضت من 40% إلى 32.7%.
أياً كان الفائز في البيت الأبيض، فإنه سيجد أن مركز أميركا لا يحمل أجوبة عن الأسئلة الأساسية لمكانة الولايات المتحدة في العالم على المدى الطويل. لقد نمت الالتزامات الدولية للولايات المتحدة منذ عام 1996، بإرسال الآلاف من القوات الإضافية إلى منطقة الشرق الأوسط، وبمحور أوباما لآسيا. لكن الأميركيين منقسمون بشدة حول إلى أي مدى يمكن لبلدهم أن يحافظ على تلك الالتزامات. يرى بعض الأميركيين اليوم أن التزامات بلادهم في ارتفاع، ولكن يرى أكثرهم أنها في انخفاض. وهناك أعداد متساوية تقريبا تتفق وتختلف بأن سياسة بلادهم تحتاج إلى علاج الدول الأخرى بمزيد من القوة والحزم.
والمشكلة الأعمق بالنسبة للعالم هي أن التنافر الأميركي قد يكون عادة طبيعية جديدة. وقد يميل الأميركيون إلى التغاضي عن هذا التنافر. وهذا في الواقع هو مشكلة حلفاء الولايات المتحدة وخصومها على حد سواء أن يتعاملوا بعدم يقين على المدى الطويل في علاقاتهم الاستثمارية والسياسية وغيرها، مع توقع نتائج قد لا يرغبونها. ولهذا، ينبغي على الرئيس المقبل أن يبدأ على الفور، خلال الفترة الانتقالية، بإعادة بناء إجماع شعبي مستدام بشأن مكانة أميركا في العالم، هذا العالم الذي يراقب ويفكر مليا في خياراته.
نقلاً عن صحيفة "الوطن أون لاين"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة