الحكمة المستفادة أن النموذج الإيراني على ما هو عليه هو نموذج نقيض وضد لنموذج الانفتاح والتسامح والدولة الحديثة التي تفتح ذراعيها لجميع الجنسيات والأعراق.
يرى صديقٌ لبناني مقرّبٌ مني أن ما نشهده اليوم من تدخل فارسي في شؤون العراق وسوريا واليمن والبحرين وغيرها، إنما هو نتيجةٌ لما عايشهُ اللبنانيون من صراع واضح المعالم بين تيارين في الشيعة أحدهما كان عروبياً بعيداً عن التعصب، والثاني كان خمينياً خامنئياً حاول عزل الشيعة في بيئات مقفلة مجيشة ضد ولاء كل عروبي أصيل، وكان الاغتيال والقتل سلاح التيار الثاني ضد الأول، تمهيداً لنشأة حزب اللات في لبنان وامتداد أذرعته الأخطبوطية إلى سوريا والعراق وغيرها، لولا أن كان لكيانات مجلس التعاون لدول الخليج العربية الموقف الحازم بقطع هذه الأذرع ومنعها من بث بذور الفتنة وعوامل التفرقة.
إذن فالأمر يعود بنا لا إلى ثمانينات القرن الماضي فقط، بل يعود إلى القرون الهجرية الأولى في فتنة وراثة الحكم بعد الخليفة هارون الرشيد، بين الخليفة الأمين وأخيه المأمون، وسيطرة الفرس على الخلافة يومها والتعصب ضد كل ما هو عربي، حتى ليبرز الشاعر أبو نواس وهو يردد:
"لتلك أبكي ولا أبكي لمنزلةٍ/ كانت تحلُّ بها هندٌ وأسماءُ"
واليوم نرى إيران خامنئي وهي لا تتورع عن محاولة تبرير احتلالها والادعاء بأحقيتها في جزر الإمارات "أبو موسى"، "طنب الكبرى" و"طنب الصغرى" التي يجمع العالم على كونها إماراتية بهوية عربية تعصى على الإمحاء والإلغاء، هذه الهوية التي ترسخ عميقاً في المكان الخليجي حتى تصبح علامته وملمحه وملحه.
ويأبى نظام الملالي في إيران إلا أن يتحرش بمارد عربي واجه الهجمة الشعوبية العنصرية بكثير عزم وحزم، لا في اليمن فقط، وإن كانت الساحة الفعلية لمواجهة مباشرة بين مشروعين نقيضين، المشروع الطائفي المذهبي الإيراني، والمشروع العربي الحازم في إحقاق الحق وإعادة الشرعية إلى حكم اليمن.
بل ويتجرأ أذناب إيران من الحوثيين على إطلاق الصواريخ مستهدفين قبلة المسلمين وكعبتهم ومقدساتهم في مكة والمدينة، وهم يدركون تماماً أن هذا الأمر إنما هو استفزاز لمشاعر مليار ونصف من المسلمين، بل وغرقٌ واضح في مستنقع التبعية وخروج على قانون دولي يقضي بحماية المقدسات وعدم التعرض لها في السلم والحرب.
وهنا يبرز التساؤل "ألا يدّعون أحقيّتهم في جزرنا؟" إذاً لماذا يعترضون ويمنعون التحكيم الدولي والاحتكام إلى محكمة العدل الدولية؟ ويبدو التساؤل الأكثر ضرورة "ألا يدّعون أنهم يعادون أمريكا وإسرائيل؟" إذن لماذا يوجهون صواريخهم الباليستية إلى أقدس أقداس المسلمين؟.
الحكمة المستفادة من كل ما يحدث أنّ إيران هي النقيض، قبلاً وحاضراً، وغداً، طالما هي على تركيبتها الهرمية التي تُعلي من شأن الفرس وتضع كل القوميات الأخرى في أسفل السلم الاجتماعي والهرم السلطوي، وإلا كيف يبرر نظام خامنئي وجود مليون مسلم سنّي في طهران وحدها بدون حق أن يقيموا مسجداً واحداً لصلاتهم؟.
الحكمة المستفادة أن النموذج الإيراني على ما هو عليه هو نموذج نقيض وضد لنموذج الانفتاح والتسامح والدولة الحديثة التي تفتح ذراعيها لجميع الجنسيات والأعراق على أرض الخليج في المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة والبحرين، والكويت وقطر وسلطنة عمان، وهذا ما سيكون عليه الحال في الغد القريب، بشكل أكثر حدةً، طالما أن دولنا متجهة إلى مزيدٍ من تنمية واستدامة بينما تتجه إيران الملالي إلى مزيد من القمع والإلغاء والانغلاق، سعياً إلى تصدير الثورة إلى الخارج، بينما لا تجد هذه الثورة لنفسها داخلياً نصيراً بغير سياسة الترهيب والإرهاب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة