"تتريك" شمال سوريا.. وهم أردوغان لإعادة "الخلافة"
مدينة أعزاز شهدت مظهرا من مظاهر "تتريك" الشمال السوري، بعد إطلاق اسم "الأمة العثمانية" على الحديقة العامة في المدينة.
محاولات مستميتة من الإدارة التركية لفرض ثقافتها ولغتها في الشمال السوري، وذلك منذ توغل الجيش التركي في سوريا تحت ذريعة عملية "درع الفرات" في 24 من أغسطس/آب 2016، حيث ظهرت بوادر "تتريك" المدارس والشوارع والهوية لإعادة وهم "الدولة العثمانية" على الأراضي السورية.
- سياسة إدلب.. هل تصبح العقبة الأخطر في الأزمة السورية؟
- سياسة خبراء لـ"العين الإخبارية": خيارات محدودة أمام تركيا في سوريا
وشهدت مدينة أعزاز بريف حلب مظهرا من هذه المظاهر بعد إطلاق اسم "الأمة العثمانية" على الحديقة العامة في المدينة بعد إعادة ترميمها، وتسمية إحدى روضات الأطفال باسم "السلطانة عائشة" نسبة إلى زوجة السلطان العثماني أحمد الأول.
وأوضح مركز أعزاز الإعلامي أن عملية ترميم الحديقة كانت مسؤولية المجلس المحلي للمدينة، بينما التسمية خضعت لسيطرة ولاية كلاس التركية.
ويرى الدكتور محمد حامد، الباحث في الشأن التركي، أن سياسة تركيا في الشمال السوري منذ نحو 3 سنوات هي سياسة ممنهجة وليست تصرفات اعتباطية، خاصة أن هذه المناطق تقع تحت سيطرة فصائل مسلحة وتنظيمات موالية لتركيا بجانب قوات الجيش التركي.
وأشار -في تصريحات لـ"العين الإخبارية"- إلى أن عملية درع الفرات كانت بداية لتنفيذ هذه السياسة لخدمة مطامع الدولة التركية في سوريا.
أطماع تركية
"من هنا بدأت الأزمة، حينما بدأت تركيا في استقطاب عناصر من إخوان سوريا وبدأت تسلحيهم ودعمهم بالأموال لتحقيق حلمها المزيف بإعادة الدولة العثمانية من جديد".. عبارة أكد بها الباحث في الشأن التركي مخطط أنقرة للسيطرة على الشمال السوري.
وأوضح حامد أن تركيا لا تخفي ولعها بالسيطرة على دول المنطقة، مع استنادها إلى وثائق عثمانية قديمة تزعم حقها في أراضي الموصل العراقية وحلب السورية، منوها بأن ممارسات تركيا في الشمال السوري تحمل عنوانا واحدا فقط هو نزعة الاحتلال والاستيلاء على أراضي الغير.
وأضاف أن "سوريا قبل 2011 كانت دولة قوية مركزية تتمتع باقتصاد قوي، وكان السوريون لا ينظرون إلى بلادهم كما ينظرون إلى التجربة التركية نظرة الولع والإعجاب، وهي الثغرة التي استغلتها أنقرة لنشر الهوية التركية ذات الأصول العثمانية بين المدارس السورية باللغة وتتريك المناهج، وبرفع العلم التركي في شوارع ومقرات حكومية سورية".
وتستند تركيا في تحركاتها بسوريا إلى وثائق مزعومة تعود إلى الدولة العثمانية، تشير إلى أحقيتها في امتلاك 15 قرية في القطاع الجنوبي الشرقي بريف إدلب، من بينها البرسة والخيارة وصراع وصريع والصيادي.
ويرى الباحث في الشأن التركي أن هناك أهدافا أخرى وراء تحركات تركيا، ترتكز بالأساس على إثارة النزعة التوسعية لدى الأتراك، ونشر معلومات مغلوطة حول حقيقة الدولة العثمانية، مفسرا هذا الأمر بمحاولة إشغال الأتراك عن مشاكل وأزمات الداخل.
أعزاز ليست الأولى
ما فعلته تركيا في مدينة أعزاز مطلع الشهر الجاري نفذته من قبل في عدد من المدن السورية على مدار الأعوام الماضية، معتمدة على قدرتها العسكرية وتحالفاتها مع الفصائل المسلحة والعناصر الإرهابية على حدودها مع سوريا.
واعتبر الباحث المصري أن ظهور الإخوان والتنظيمات المسلحة بسوريا دعم الأطماع التركية بالمناطق الشمالية والشمالية الغربية في سوريا بشكل كبير، ما أدى إلى تفاقم معاناة سكان هذه المدن، وزاد من حالة الانقسام بالداخل السوري، مستشهدا بمخالفة الشمال السوري والشمال الغربي لمواعيد الاحتفال بعيد الفطر عن باقي مناطق سيطرة النظام السوري.
وتحت مزاعم "محاربة الإرهاب" بسط الجيش التركي السيطرة على مدن الباب وجرابلس وعفرين وأعزاز، وباسم إعادة الإعمار وتقديم المساعدات انتشر العلم التركي والكتابات التركية وصور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على جدران المباني الحكومية والشوارع والمنازل بسوريا.
ويقول حامد: "امتد الاستغلال التركي إلى المحاصيل الزراعية في سوريا، وتحديد أنواع المحاصيل للمزارعين بما يتوافق مع احتياجات الأتراك من بضائع ومنتجات، ما يفسر حجم مطامع أنقرة".
وفي عفرين تغير اسم الساحة العامة إلى اسم "رجب طيب أردوغان"، وأطلق اسم والدة الرئيس التركي على بعض المراكز الثقافية، علاوة على كتابة أسماء المؤسسات العامة السورية باللغة التركية بدلا من العربية.
وتوغل النفوذ التركي إلى عملية إعادة إعمار المساجد والمدارس والطرق وشبكات الكهرباء في جرابلس وحلب عبر شركات تركية. وافتتحت متاجر وأبراج خاصة للاتصالات في سوريا، ليعتمد السكان على الهواتف الجوالة التركية بشكل كبير.
وفي يونيو/حزيران 2018، قدمت الإغاثة التركية دعما إلى جامعة الشام العالمية في أعزاز، لتفتتح بعدها فرعا لجامعة "حران" التركية، وترمم مدارس بأسماء جنود أتراك بمدينة الباب في حلب.
ومع مرور الوقت حلت لغة ومناهج تركيا في المدارس بديلا للمناهج السورية، بداية من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية بمدارس الشمال السوري، كبداية لنشر الهوية التركية عبر أجيال سوريا القادمة.
aXA6IDE4LjE5MC4xNTMuNzcg جزيرة ام اند امز