سوريا تعود لحاضنتها العربية.. الوفود تدق أبواب دمشق (ملف تفاعلي)
فيما كان العالم العربي يموج بمتغيرات عاصفة، أغلقت جامعة الدول العربية في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 أبوابها في وجه دمشق، بإعلانها تعليق مشاركتها في اجتماعات المؤسسة.
القرار الذي صدر حينها بموافقة 18 ورفض 3 دول أخرى هي (سوريا ولبنان واليمن) وطالب "الدول العربية بسحب سفرائها من دمشق"، لكنه اعتبر ذلك "قرارا سياديا لكل دولة".
وصوت على القرار 21 دولة من أصل 22 عضوا في الجامعة، التي كانت في ذلك الوقت قد جمدت بالفعل مشاركة ليبيا، كأحد تداعيات ما سمي حينها بـ"الربيع العربي".
ودخل القرار حيث التنفيذ في 16 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث باتت سوريا ممنوعة من المشاركة في اجتماعات مجلس الجامعة العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة إلى حين قيامها بالتنفيذ الكامل لتعهداتها التي وافقت عليها بموجب خطة العمل العربية لحل الأزمة السورية.
وكان الوزراء العرب قد أقروا أوائل نوفمبر/تشرين الثاني خطة لوقف العنف وبدء حوار بين الحكومة السورية والمعارضة.
طرقات الداخل
وكان القرار العربي تجاوبا مع ما اعتبر حينها طرقات على أبواب العاصمة السورية دمشق بدأت من درعا في 18 مارس/آذار 2011 تنشد تحسين فرص الحياة وتصحيح المسار الديمقراطي في البلاد.
لكن سرعان ما تحولت هواجس التغيير إلى كابوس ثقيل مع إعلان تنظيم داعش الإرهابي دولة الخلافة المزعومة في سوريا والعراق في 2014، وهي الدولة التي سقطت لاحقا بعد أن تشكل تحالف دولي لهزيمة التنظيم الوحشي.
وبدا أن التباس المسار المعارض في سوريا وتدفق التنظيمات الإرهابية قاد في نهاية المطاف لوضع ضبابي جعل من القرار العربي بشأن دمشق والذي اتخذ انطلاقا من شعور بالمسؤولية تجاه الشعب السوري في حاجة إلى مراجعة يحكمها الشعور نفسه بالمسؤولية، بحسب مراقبين.
وأعلنت سوريا بالفعل هزيمة داعش بعد نحو 4 سنوات من حرب ضروس، حيث وقف ممثلون عن قوات سوريا الديمقراطية للإعلان عن نهاية داعش في مارس/آذار 2018.
طرقات خافتة من الخارج
وقبيل هزيمة التنظيم الإرهابي في سوريا كانت بغداد قد أعلنت بالفعل هزيمة داعش في العراق عام 2017، وكانت الدولتان المنكوبتان بالإرهاب في مسيس الحاجة إلى التواصل من أجل التنسيق الأمني.
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2018 زار وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري دمشق. وقالت الخارجية العراقية حينها إن "الوزير إبراهيم الجعفري وصل إلى العاصمة السورية دمشق في زيارة رسمية تستغرق يومين التقى خلالها الرئيس بشار الأسد وكبار المسؤولين السوريين، لبحث الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة وتطور العلاقات بين البلدين.
الزيارة التي يمكن فهمها في إطار الحاجة المباشرة للتنسيق الأمني لصد هجمات داعش الذي كان يتحرك حينها على الحدود بين البلدين، ومهدت إلى زيارة أخرى للرئيس السوداني السابق عمر البشير في ديسمبر/كانون الأول عام 2018.
وكانت زيارة البشير أقرب لزيارة الأزمة، حيث كان الرئيس السوداني المعزول يواجه انتفاضة شعبية ستسقطه بعد نحو 4 شهور من لقاء الأسد في دمشق.
أبواب دمشق المفتوحة
لكن التحول في الموقف العربي تجاه سوريا وأزمتها جاء في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بعد عقد بالتمام من إعلان الجامعة عزل دمشق.
ففي يوم الثلاثاء 9 نوفمبر/تشرين الثاني وصل وفد إماراتي رفيع المستوى بقيادة الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية والتعاون الدولي، إلى سوريا لينهي عمليا عزلة دمشق العربية في أول زيارة من نوعها منذ بدء الأزمة.
وقالت الرئاسة السورية، في بيان حينها، إن الرئيس بشار الأسد استقبل الشيخ عبدالله بن زايد والوفد المرافق له، وجرى خلال اللقاء "بحث العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، وتطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، وتكثيف الجهود لاستكشاف آفاق جديدة لهذا التعاون، خصوصاً في القطاعات الحيوية من أجل تعزيز الشراكات الاستثمارية في هذه القطاعات".
وبحسب بيان الرئاسة السورية، أكد الأسد "العلاقات الأخوية الوثيقة التي تجمع بين سوريا والإمارات منذ أيام الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان"، وأشار إلى "المواقف الموضوعية والصائبة التي تتخذها الإمارات"، مشددا على أن "الإمارات وقفت دائما إلى جانب الشعب السوري".
وأضاف البيان أن النقاش تناول الأوضاع على الساحتين العربية والإقليمية، وتمّ الاتفاق على استمرار التشاور والتنسيق حول مختلف القضايا والتحديات التي تواجه المنطقة العربية، من أجل تحقيق تطلعات شعوبها وبإرادتهم بعيدا عن أي تدخلات خارجية.
من جانبه، أكد الشيخ عبدالله بن زايد خلال اللقاء "حرص دولة الإمارات على أمن واستقرار ووحدة سوريا الشقيقة ودعمها لكل الجهود المبذولة لإنهاء الأزمة السورية وترسيخ دعائم الاستقرار بالبلاد وتلبية تطلعات الشعب السوري الشقيق في التنمية والتطور والرخاء"، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية في ذلك الوقت.
وكانت زيارة الشيخ عبدالله بن زايد تتويجا لجهود الإمارات لحلحلة الأزمة السورية والانفتاح على دمشق، حيث سبقها إعلان وزارة الخارجية الإماراتية إعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق وعودة بعثتها الدبلوماسية للعمل هناك في ديسمبر/كانون الأول عام 2018، وهو القرار الذي أقدمت عليه بعد أيام أيضا البحرين.
وكانت المؤشرات قد سبقتها على تحرك إماراتي تبلور بعد أن تلقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، اتصالا هاتفيا من الرئيس السوري بشار الأسد، بحث سبل تعزيز التعاون المشترك، كما تناول الاتصال تطورات الأوضاع في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى الملفات ذات الاهتمام المشترك، بحسب بيان نشرته حينها وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية.
ومهدت زيارة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى دمشق زيارة الأسد إلى الإمارات، في أول زيارة له إلى دولة عربية منذ اندلاع الأزمة السورية.
وعكست الزيارة التي جرت في مارس/آذار 2022 سعي الإمارات الدائم إلى لم الشمل وتعزيز التضامن العربي والبحث عن حلول لأزمات ومشاكل المنطقة ودعم شعوبها وتعزيز التعاون العربي، بما يسهم في دعم الأمن والاستقرار وتحقيق الرخاء والازدهار.
طريق ممهد
وبعد 4 شهور من زيارة الأسد الإمارات كان الطريق إلى دمشق قد أصبح ممهدا، حيث زار وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة سوريا في يوليو/تموز 2022.
وقالت الخارجية الجزائرية، في البيان حينها، إن الزيارة لعمامرة جاءت "بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون".
وذكرت أن زيارة لعمامرة إلى دمشق تأتي في أعقاب الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى الجزائر مؤخرا للمشاركة في احتفالات الذكرى 60 لاسترجاع السيادة الوطنية، والتي حظي خلالها باستقبال من قبل الرئيس تبون، فضلا عن جلسة عمل جمعته مع رمطان لعمامرة.
في 4 يناير /كانون الثاني وقبل نحو شهر من كارثة الزلزال، استقبل الرئيس بشار الأسد، الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي في دمشق مجددا وذلك في إطار زيارة العمل إلى سوريا.
وجرى خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات وسوريا وسبل تعزيزها وتنميتها من خلال التعاون المشترك على كافة المستويات وفي مختلف الاصعدة بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الشقيقين.
الزلزال
وفي أعقاب زلزال مدمر ضرب سوريا وتركيا مخلفا آلاف الضحايا، تسارعت الخطوات العربية لإعادة احتواء دمشق ضمن أفقها العربي.
ففي 9 فبراير/شباط 2023 زار وزير الخارجية البحريني عبداللطيف بن راشد الزياني السفارة السورية في المنامة لتقديم واجب العزاء في ضحايا الزلزال.
وبعد نحو 10 أيام من زيارته دمشق عاد الشيخ عبدالله بن زايد إلى سوريا في زيارة دعم إنساني لسوريا المنكوبة آثار الزلزال المدمر، حيث التقى الرئيس بشار في 12 فبراير/شباط.
بعد ثلاثة أيام من الخطوة الإماراتية، قام نائب رئيس الوزراء الأردني وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي بزيارة إلى العاصمة السورية، حيث استقبله الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك في إطار زيارتين إلى سوريا وتركيا لتأكيد التضامن مع البلدين في كارثة الزلزال المدمر.
وتعد زيارة الصفدي إلى سوريا أول زيارة رسمية منذ الأزمة، وسبقها لقاء له مع وزير الخارجية السوري المقداد على هامش الاجتماع الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول 2022.
وقبل انقضاء أسبوع على وصول الوفد الأردني دمشق، التقى الرئيس السوري بشار الأسد السلطان هيثم بن طارق خلال زيارة عمل أجراها لسلطنة عمان في 20 فبراير/شباط الجاري.
وخلال اللقاء الذي جمعهما بقصر البركة، جدّد السلطان هيثم بن طارق تعازيه ومواساته الصادقة للرئيس الأسد وللشعب السُّوري الشقيق في ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا.
تناولت المحادثات العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين ومجالات التعاون المشترك، حيث تمّ الاتفاق بين الجانبين على تعزيز التعاون الثنائي والنهوض به في المجالات كافة.
وفي 26 فبراير/شباط الجاري زار وفد البرلمان العربي دمشق والتقى الرئيس السوري في أكبر تجمع عربي في دمشق منذ قرار الجامعة العربية في رسالة دعم هي الأقوى.
وضم الوفد رئيس الاتحاد محمد الحلبوسي (العراق) ورؤساء مجلس النواب في دولة الإمارات العربية المتحدة والأردن وفلسطين وليبيا ومصر، إضافة إلى رؤساء وفدي سلطنة عمان ولبنان، والأمين العام للاتحاد البرلماني العربي.
وشهد اليوم الإثنين، آخر محطات الخطوات العربية المتلاحقة لإعادة فتح أبواب دمشق على العالم العربي، حيث يقوم وزير الخارجية المصرية سامح شكري بزيارة إلى سوريا.
كما أعلن المتحدث باسم الخارجية المصرية وصول شكري لدمشق، واستقباله من نظيره السوري فيصل المقداد، حيث عقدا جلسة مباحثات ثنائية.
وكانت وزارة الخارجية المصرية قد أعلنت أمس الأحد عن زيارة شكري إلى دمشق، وذلك لـ"نقل رسالة تضامن من مصر"، عقب الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا وخلف ما يقرب من 46 ألف قتيل في البلدين.
وذكر بيان الخارجية المصرية أن شكري سيؤكد "استعداد مصر الدائم لتقديم يد العون والمساعدة للمتضررين في المناطق المنكوبة بالبلدين".
aXA6IDMuMTQ0LjEwMy4yMCA= جزيرة ام اند امز