سوريا في مذكرات خدام.. كواليس حرب العراق وأزمة التمديد للحود
مذكرات تكشف قسما رئيسيا من أسرار سوريا في السنوات الأخيرة وتفاعلات النظام الحاكم محليا وإقليميا وحتى دوليا في ظل متغيرات وأحداث عاصفة.
مسيرة للراحل عبد الحليم خدام، أو "أبو جمال" كما كان يعرف، نائب الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، دفعت إلى السطح بكواليس وتفاصيل عن سوريا ودورها الإقليمي، في محطات تتماهى مع تاريخ موازٍ للبلاد بالعقود الأخيرة.
رواية قد لا تتضمنها كتب التاريخ، لكنها تقدم نسخة قد تكون أكثر دقة، وشهادة قد تكون أكثر إلماما واطلاعا، عن مراحل أساسية من تاريخ سوريا ودورها، خصوصا أن الرجل كان شاهداً ومشاركا في أحداث رئيسية عصفت بالبلاد ودورها في الإقليم، وذلك منذ تسلم حزب "البعث" الحكم في عام 1963، إلى حين خروجه من البلاد وإعلان انشقاقه العام 2005.
مذكرات تنشرها صحيفة "الشرق الأوسط" في شكل حلقات لـ"أبو جمال" الذي لم يلعب دورا سياسيا بارزا عقب اندلاع الأزمة السورية في 2011، حيث كرس وقته لكتابة مذكراته، ونشر في عام 2003 كتابا عن آرائه السياسية وموقفه من الديمقراطية والحرية، بعنوان: "النظام العربي المعاصر".
الأسد وخامنئي
مذكرات خدام كشفت أن دمشق وطهران اتفقتا عشية الحرب على العراق عام 2003 على "إطالة الحرب لإتعاب الأمريكيين".
وجاء فيها أن الرئيس السوري بشار الأسد اتفق مع مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي والرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي في طهران عشية الحرب الأمريكية على العراق على "إطالة الحرب لإتعاب الأمريكيين".
موقف أثار انتباه خدام بانتقال دمشق من العمل لإسقاط الرئيس العراقي السابق صدام حسين إلى الدفاع عنه، كما أن طهران "كانت عبر حلفائها في المعارضة العراقية، تعمل على الخلاص من صدام ونظامه".
وتابع خدام أنه "في ضوء ذلك الواقع، ذهب الأسد إلى طهران لتوحيد الموقف في مواجهة التطورات الجديدة المقلقة والمقبلة في المنطقة".
وحسب محاضر الاجتماعات، فإن الأسد قال لخاتمي، إنه "إذا استقرت واشنطن بالعراق، فستنتقل لاحقا إلى سوريا وإيران" وأبلغ خامنئي أنه "كي يتعب الأمريكيين، لا بد من إطالة الحرب في العراق".
كما نقل أحد محاضر الاجتماعات عن خاتمي قوله: "يكفي أن تعود جثامين الجنود الأمريكيين كي يخسر الرئيس (الأمريكي الأسبق جورج) بوش".
وعقّب الأسد، قائلا: "لو كان من يحارب غير الأمريكيين لكان سقوط صدام أسرع، لكن الأمريكيين تتحكم بهم الحماقة. قالوا إنهم سيحسمون الحرب خلال أيام أو أسابيع. لقد حصروا أنفسهم بهذا الزمن دون داع".
وتابع: "أمر آخر؛ سيقتل الأمريكيون أعدادا كبيرة من العراقيين، وعندها سينسى الشعب أن هناك صدام حسين (..)".
التمديد لـ"لحود"
خدام كشف أيضا في مذكراته تفاصيل قرار الأسد التمديد للرئيس اللبناني إميل لحود والاتصالات التي جرت جينها مع رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري لإقناعه بالموافقة على التمديد.
وقال خدام إنه مع اتساع "حملة المعارضة للتمديد لبنانيا وعربيا ودوليا، وترافق كل ذلك بدعوات لوقف التدخل السوري في لبنان وانسحاب القوات السورية"، كان واضحاً أمامه أن "أي موقف غير عقلاني من النظام في سوريا سيؤدي إلى أضرار كبرى تلحق بالبلاد".
وتابع: "كنت أحاول في كل لقاءاتي مع الدكتور بشار الأسد إقناعه بخطورة التمديد".
خدام توقف عند لقاء جمع الأسد والحريري في 2001، حيث أكد الأول للثاني حرص سوريا عليه، فأثنى على تعاونه مع دمشق، ولا سيما قبوله بالتمديد.
وقال الأسد حينها: "لن أقبل أي كلام يأتيني من أي جهة عنك، وسأرميه في سلة المهملات".
وخرج الحريري "مرتاحا" من اللقاء كما يقول خدام، لكن المفاجأة كانت أن وزير الخارجية السوري السابق فاروق الشرع قال في اجتماع حزبي، إن تشكيل الحريري للحكومة "غير وارد لأنه متآمر على سوريا مع الرئيس الفرنسي حينها جاك شيراك".
الأسد يغير موقفه
خدام قال إنه اجتمع مع الأسد في 18 أغسطس/ آب 2004، وناقش معه موضوع التمديد للحود.
وأضاف: "سألته إلى أين وصل هذا الأمر؟"، فأجابني: "قررتُ عدم التمديد. لا أحد في العالم موافق عليه، والدول العربية غير موافقة، وغالبية اللبنانيين معترضون، وأبلغتُ الرئيس لحود أن لا نية لدينا في التمديد له، والرجل عرف موقفنا بشكل واضح".
وعلق خدام على كلام الأسد قائلا: "أتمنى ألا يحاول أحد دفعك إلى تغيير موقفك. أنت لا تستطيع أن تتحمل عواقب التمديد، وسوريا لا تستطيع أن تتحمل ما يمكن أن يحدث بسبب التمديد"، فأجابني: "لقد كنت حازما مع الرئيس لحود في هذا الأمر".
سافر خدام إثر ذلك إلى فرنسا لإجراء فحوصات روتينية، وبعد بضعة أيام، تلقى اتصالا من الحريري أبلغه فيه أن بشار الأسد غيّر رأيه فيما يتعلق بالتمديد، واستدعاه إلى دمشق، وكانت المقابلة قصيرة، وكان الأسد متوترا، وأبلغه أنه قرر دعم التمديد للعماد لحود.
كما قال له الأسد: "عليك أن تحدد موقفك: هل أنت مع سوريا أو ضدها؟"، أذهب وفكر في الموضوع وأبلغني قرارك بالموافقة أو الرفض"، وفق ما نقل خدام.
وتابع الحريري في اتصاله متوجها لخدام: "أريد نصيحتك". فسأله الأخير: "هل اجتمعت مع وليد جنبلاط؟ وماذا كان رأيه؟"، فأجاب: "اجتمعت به ونصحني بالموافقة على التمديد ثم الاستقالة بعد ذلك".
فقال خدام: "أنت لا تستطيع أن تتحمل نتائج الرفض، نصيحة وليد لك صحيحة. من الأفضل أن توافق، وبعدها تغادر لبنان وتعلن استقالتك من الخارج".
وبالفعل، أبلغ الحريري العميد رستم الغزالي (أبرز الضباط الأمنيين للأسد) بموافقته، وغادر إلى جزيرة سردينيا للقاء عائلته هناك.
وبعد أيام، يقول خدام، "اتصل بي، وكنت لا أزال في فرنسا، وسألني: إذا عدت إلى لبنان، هل هناك خطر على حياتي؟"، فأجبته: لقد وافقتَ على كل ما طلبه منك الدكتور بشار الأسد، ولا يزال بحاجة لك، لأن تعديل الدستور لم يتم بعد. ولكن، كما نصحتُك، بعد الانتهاء من الإجراءات غادر لبنان مباشرة وأعلن استقالتك".
aXA6IDE4LjE4OC42My43MSA= جزيرة ام اند امز