بعد تهديد إسرائيل بالتدخل.. سوريا تنشر قوات لاحتواء أزمة درزية بصحنايا

أعلنت السلطات السورية، الأربعاء، عن نشر وحدات أمنية في بلدة صحنايا جنوب العاصمة دمشق، بعد اشتباكات دامية استمرت يومين مع مسلحين محليين من الطائفة الدرزية.
وأسفرت الاشتباكات عن مقتل نحو 40 شخصاً، بينهم 22 في صحنايا و17 في جرمانا، وسط توتر طائفي غير مسبوق، وتدخل إسرائيلي جوي غير معلن رسمياً.
- إسرائيل تلوح بـالتدخل العسكري في سوريا «دعما للدروز»
- أبواب أمريكا مفتوحة أمام الشيباني.. لكن التطبيع مع سوريا «مؤجل»
جاء القرار بعد تصاعد العنف الذي بدأ عقب انتشار تسجيل صوتي منسوب لأحد أبناء الطائفة الدرزية يتضمن إساءات دينية، أثار غضباً واسعاً في الأحياء المختلطة ذات الأغلبية المسيحية والدرزية، من بينها جرمانا وصحنايا.
وأكدت السلطات أن الخطوة تهدف إلى "فرض الأمن والاستقرار" وحماية جميع المكونات السورية، بما فيها أبناء الطائفة الدرزية.
إسرائيل تتوعد
في سابقة لافتة، أعلن الجيش الإسرائيلي تنفيذ "عملية تحذيرية" ضد ما وصفها بـ"مجموعة متطرفة" كانت تستعد، بحسب مزاعمه، لمهاجمة دروز في صحنايا.
وأكد رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير أن الجيش تلقى تعليمات "بالاستعداد لاستهداف مواقع سورية إذا استمرت أعمال العنف ضد الدروز".
بينما حمّل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحكومة السورية المسؤولية، قائلاً: "نقلنا رسالة حازمة، على النظام التحرك لحماية أبناء الطائفة الدرزية".
وأسفرت إحدى الغارات الإسرائيلية، وفق محافظ ريف دمشق عامر الشيخ، عن مقتل عنصر من الأمن السوري ومدني من سكان أشرفية صحنايا، بالإضافة إلى عدد من الجرحى.
قلق وتحذيرات أممية
المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن وصف التصعيد بـ"غير المقبول"، وطالب بوقف فوري للضربات الجوية الإسرائيلية، داعياً إلى حماية المدنيين كافة دون تمييز.
من جهته، دعا المفتي العام لسوريا أسامة الرفاعي إلى تفويت الفرصة على ما وصفه بـ"الفتنة"، وحثّ السوريين على ضبط النفس وتجنب دعوات "الثأر والانتقام".
تداعيات الأزمة
وكانت المواجهات بدأت في جرمانا، مساء الإثنين، قبل أن تمتد إلى صحنايا ليل الثلاثاء، واستخدمت خلالها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
وأسفرت الاشتباكات عن مقتل 16 عنصراً من جهاز الأمن العام، وفق ما أعلنته وزارة الداخلية، بينهم 11 قتلوا على حواجز أمنية.
كما قتل 6 مسلحين دروز وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فيما أكدت الحكومة أنها "حيّدت" من وصفتهم بـ"مجموعات خارجة عن القانون" وأوقفت غالبيتهم.
وشوهدت تعزيزات أمنية كبيرة في أحياء صحنايا التي خضعت لعمليات تمشيط، بالتوازي مع اجتماعات بين مسؤولين حكوميين وزعامات درزية من السويداء في محاولة لاحتواء التوتر.
تحديات المرحلة الانتقالية
تأتي هذه التطورات بعد أكثر من شهر على أعمال عنف في الساحل السوري أوقعت نحو 1700 قتيلاً، ما يعكس هشاشة الوضع الأمني في ظل المرحلة الانتقالية، التي يقودها الرئيس أحمد الشرع عقب الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
الشرع الذي تعهد بإشراك جميع المكونات في الحكم الجديد، يواجه تحديات متزايدة في فرض السيطرة على كل الأراضي السورية، لا سيما المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة المركزية مثل شمال شرق البلاد الخاضع لقوات كردية.
الدروز في مرمى الأزمة
ويُقدر عدد الدروز في سوريا بنحو 3% من السكان، ويتركزون في محافظة السويداء، وسبق أن تمكنوا نسبياً من النأي بأنفسهم عن النزاع منذ 2011.
ومع ذلك، فإن تكرار التوترات في مناطق مثل جرمانا وصحنايا يعكس هشاشة العلاقة مع السلطة المركزية بعد سقوط الأسد، في ظل غياب قيادة موحدة للفصائل الدرزية المسلحة.
وفي موقف لافت، قال الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط إن "إسرائيل تسعى لجرّ دروز سوريا إلى حرب لا نهاية لها"، محذراً من الوقوع في فخ التقسيم الطائفي.
من جهته، أقر الجيش الإسرائيلي بإجلاء ثلاثة مصابين دروز من سوريا لتلقي العلاج، في خطوة وصفها مراقبون بأنها محاولة لتعزيز نفوذها لدى الأقلية الدرزية في الجنوب السوري.
وتشير تطورات صحنايا وجرمانا إلى أن الطائفة الدرزية عادت لتكون في قلب التجاذبات السورية والإقليمية، بعدما حافظت طيلة سنوات الحرب على مسافة محسوبة من الصراع، لا سيما في معقلها الرئيسي بمحافظة السويداء. لكن الهشاشة الأمنية وتراجع هيبة الدولة بعد الإطاحة ببشار الأسد، دفعا نحو انكشاف المجتمعات المحلية أمام سيناريوهات الفوضى الطائفية.
ولعل ما يزيد تعقيد المشهد هو تكرار سيناريوهات مشابهة لما حدث في السويداء خلال الأعوام الماضية، حيث شهدت المحافظة أكثر من مرة مواجهات بين مجموعات محلية مسلحة وقوات النظام السابق، كان أبرزها في أغسطس/آب 2023 حين اندلعت احتجاجات شعبية واسعة النطاق مطالبة بالحكم الذاتي ووقف التجنيد القسري، وقوبلت حينها بالقمع والتجاهل من دمشق.
كما لا يمكن فصل التدخل الإسرائيلي الأخير عن خلفية مشابهة لما جرى في الجولان المحتل، حيث سعت تل أبيب خلال سنوات النزاع إلى كسب ودّ الطائفة الدرزية في سوريا، سواء من خلال دعم محدود لمجموعات محلية على الحدود، أو عبر تصريحات وتصرفات تهدف إلى تقديم نفسها كـ"حامٍ محتمل" للدروز، وهو ما أثار دائمًا جدلًا داخل الطائفة في كل من سوريا ولبنان.
اليوم، يتكرر المشهد بشكل أكثر خطورة في محيط العاصمة السورية، حيث تتداخل حسابات الطائفة ومخاوفها الأمنية مع مشروع إسرائيلي واضح: خلق خطوط تماس طائفية جديدة تُضعف وحدة سوريا ما بعد الأسد، وتُعزز من النفوذ الإسرائيلي في المناطق الجنوبية تحت غطاء "الحماية الإنسانية".
aXA6IDMuMTQ0LjIwMS4yMTMg
جزيرة ام اند امز