زلزال سوريا يحرك "صفائح" داعش.. ضوء أحمر في "مناطق رمادية"
زلزال سوريا المدمر منح المجال لداعش لإعادة ترتيب أوراقه على أنقاض الكارثة عبر تمدد عملياته خارج مجاله أو ما يعرف بـ"المناطق الرمادية".
واقع يطرحه بتحذير شديد خبراء سوريون ومصريون في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، مؤكدين تصاعد نشاط وتمدد عمليات التنظيم بالمناطق المحررة.
وعزز هؤلاء الخبراء تلك المخاوف إلى الظروف المواتية لانتشار التنظيم، لاسيما في بيئة اجتماعية واقتصادية وسياسية أنهكها الزلزال المدمر وسنوات من الحرب والحصار، مرورا بصعوبات تنسيق الجهود الدولية والعربية لمحاربته، و"ضعف المواجهة في ظل محاولة بعض الأطراف الغربية توظيف الإرهاب سياسيا".
وفي 17 فبراير/ شباط الماضي، نفذت عناصر داعش هجوماً شرق مدينة حمص السورية، ما أسفر عن مقتل 68 مدنياً وعسكرياً كانوا يجمعون الكمأة.
وقبلها بأيام، وتحديداً في 11 من الشهر نفسه، شن التنظيم هجوماً في منطقة تدمر بريف حمص، خلف 10 قتلى من المدنيين وعنصرا من القوات الحكومية.
وقبل أسبوع، أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، بمقتل "خمسة مواطنين وإصابة أكثر من 40 بجروح بانفجار لغم من مخلفات إرهابيي داعش بالشاحنة التي تقلهم أثناء توجههم لجمع الكمأة في منطقة كباجب في ريف دير الزور الجنوبي الغربي".
تذكرة عودة؟
الأكاديمي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة دمشق، عقيل محفوض، يرى أن الهجمات المتزايدة للتنظيم تثير مخاوف من تصاعد نشاط وتمدد عملياته إلى مناطق سبق أن تم إخراجه منها، واستغلاله الوضع الكارثي للزلزال في سوريا، وصعوبات تنسيق الجهود لمحاربته.
ويقول محفوض إن "التنظيم يعمل انطلاقا من مناطق رمادية، أو مناطق لا يسيطر عليها، ومنها ماهو قريب جدا من مواقع أمريكية كما هو الحال في محيط منطقة التنف بشرق سوريا".
ويحذر الخبير من أن "ثمة ظروف مواتية لاستمرار التنظيم، لاسيما في بيئة اجتماعية واقتصادية وسياسية منهكة بالأساس، جراء سنوات من الحرب والحصار المفروض على البلاد".
لكن "محفوض"، يرى في الوقت ذاته، أن "تنامي عمليات التنظيم هو أمر محير بالفعل، حيث يبدو المشهد كما لو أن داعش ينشط في لحظة انشغال من يقولون إنهم يحاربونه، على افتراض أن عددا من أولئك، وخاصة أمريكا، يحاربونه بالفعل".
مشهد إقليمي
من جانبه، يعتبر الدكتور بشير عبد الفتاح، الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا أفسح المجال لتنظيم داعش، الذي يتغذى على الأزمات، للقيام بتنفيذ عدد من العمليات في سوريا.
وأضاف عبد الفتاح أن التنظيم يسعى بذلك لتعزيز صفوفه، مستغلا انشغال الحكومة وقوات الأمن والجيش بتداعيات الكارثة.
ويلمح "عبد الفتاح" إلى أن "التنظيم الإرهابي سعى إلى تكييف واستخدام الدين بشكل زائف؛ لتوظيف ممارساته الإرهابية، بالترويج إلى أن الزلزال هو عقاب إلهي؛ ولم يطل مواقع يتمركز فيها التنظيم، للزعم بأنه على حق وغيره على الباطل، واستخدام ذلك في الدعاية لتجنيد عناصر جديدة تعمل تحت لوائه"
ويوضح الخبير بمركز الأهرام أن "تنظيم داعش يعود بالفعل بمحاولة رص الصفوف ولملمة الشتات، وتنظيم نفسه من جديد في دول الساحل الأفريقي، وبعض دول آسيا، وفي سوريا والعراق، يسعى لتجنيد عناصر جديدة مرة أخرى واستعادة بعض الأراضي التي فقدها، واستدعاء الأموال والموارد، ومحاولة مهاجمة السجون من أجل اخراج معتقليه".
وأشار إلى أن داعش يستغل في شمال غربي سوريا المناطق الرخوة البعيدة عن سيطرة الحكومة، محذرا من أن التنظيم سيعتمد على الخلايا النائمة واللامركزية والذئاب المنفردة واستدعاء كل العناصر التي خرجت من عباءة التنظيم، من أجل استعادة نشاطه ونفوذه السابق.
نقطة بداية
وفي ملمح آخر، ذهب الدكتور أحمد كامل البحيري، الباحث المصري المتخصص بشؤون الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى أن "الزلزال بمثابة نقطة بداية لمسار جديد في إعادة رسم خارطة التنظيمات الإرهابية في شمال غرب سوريا".
وقال البحيري، في مقال نشره عبر الموقع الإلكتروني للمركز، إن "التنظيمات الإرهابية سعت في مناطق إدلب وريف حلب إلى توظيف وقوع الزلزال سياسياً، في محاولة لتحقيق العديد من المكاسب السياسية والتنظيمية، سواء بين بعضها البعض أو في مواجهة النظام السوري، أو حتى في مواجهة تركيا، في تجاهل كارثية الحدث والارتفاع المستمر في أعداد الضحايا والمصابين".
ومع وقوع الزلزال، يتابع البحيري، "بدأ التنظيم الإرهابي من خلال منصاته المختلفة في استغلال الحدث عبر مسارين: الأول، توجيه خطابات ورسائل بأن "شدة الكارثة كانت نتيجة تعاون المواطنين في مواجهة التنظيم"، وأن ما حدث هو "عقاب إلهي لهجرة المدنيين ما يطلق عليه التنظيم (الخلافة)".
أما المسار الثاني، فهو دعوة المدنيين في شمال غربي سوريا إلى الانتقال لمناطق ارتكاز تنظيم داعش والانضمام إليه، مع التأكيد على خلو مناطق "البادية"- وهي إحدى أهم مناطق ارتكازه بسوريا- من أضرار الزلزال وتوابعه.
ضوء أحمر
ولم يفت الخبيران البارزان السوري والمصري وضع روشتة عملية لواجهة الخطر الداعشي ووقف تمدده وانتشاره.
وينبه الأكاديمي السوري عقيل محفوض إلى أن "محاربة التنظيم تفترض الصدق والجدية والالتزام من قبل الأطراف، لكن هذا غير مؤكد في الظروف الراهنة"، مضيفا أن "بعض الأطراف بالغرب تستفيد من داعش في تبرير وجودها غير الشرعي، وسياساتها في سوريا.. وبالفعل الوضع معقد".
ومن جهته، قال الخبير بمركز الأهرام بشير عبد الفتاح، إن "المطلوب تضافر الجهود الدولية، وتقديم الدعم اللوجستي والإستخباراتي والعسكري الممكن للعراق وسوريا؛ لأن هذه الدول بحاجة لإمكانات وموارد لمواجهة التنظيم في ظل الضغوط الاقتصادية والارتباكات الأمنية والسياسية".
وخلص إلى أنه "يتعين على المجتمع الدولى وواشنطن التحرك فى هذا المضمار، وأن لا يتوانى عن تقديم كل سبل الدعم الممكنة للدولتين، وتقوية الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة في هذه الدول وتوحيدها للاطلاع بهذه المهمة".
كما أكد على ضرورة توقف الدول الغربية عن توظيف الإرهاب سياسيا، واستخدامه كورقة للضغط والاختراق، خاصة أن مكافحة الإرهاب تتطلب استراتيجية متعددة الأبعاد، تشمل المواجهة الأمنية والفكرية والتنموية .