إذا كانت هذه التنظيمات صنيعة قوى شرٍّ خارجية تهدف لإضعاف المنطقة وتقسيمها، فلماذا ينغمس الشباب المسلم والعربي في مستنقعها الآسن الفاسد؟
يتساءل كثيرون عن مسرحية «داعش» الدامية العبثية، وهل انتهت فترة عرضها؟ أم أنها في هدنة أو فترة تغيير لحبكتها الخاصة، وتغيير الأبطال وتحديث المشاهد؟!
وعلى الرغم من الآمال الراجية والقلوب المتوسلة لله، بأن تكون مأساة «داعش» قد انتهت أو أوشكت على الانتهاء، فإنه في كل الأحوال علينا أن نكون في حالة استعداد وتأهب أكبر مما كنّا عليه سابقاً، بعد أن شاهدنا بذهول ورعب ما ارتكبه تنظيم «داعش» في السنوات الماضية، من ترويع وسفك للدماء، ووحشية لم تشهدها المنطقة العربية والعالم من قبل.
الحل الجذري لاجتثاث مثل هذه التنظيمات، هو حركة تنمية شاملة لمجتمعاتنا وخاصة المراهقين والشباب، تنمية تتولاها كافة المؤسسات ابتداءً من الأسرة والمدرسة، مروراً بالنادي والإعلام والثقافة والفنون، وقتها فقط ستمتلئ أرواح وعقول شبابنا بثقافة النور والسلام، والعمل والإنجاز التي أرادها الإسلام
«داعش» أو ما يسمى «تنظيم الدولة الإسلامية»، لم يولد من فراغ، فقد كان وليداً لحركات كثيرة متدثرة بغطاء الإسلام، لتستطيع النفاذ إلى عواطف البعض وقلوبهم تحت ستار الدين، كما فعل تنظيم «الجهاد والتوحيد»، الذي أسفر عن وجهه من بعد عن «داعش» في 2014، حينما أعلن المتحدث باسم التنظيم أبو محمد العدناني في تسجيل صوتي عن قيام ما أسماه بـ«الدولة الإسلامية»، ومبايعة أبوبكر البغدادي لقيادتها، هذه «الدولة» التي انقسمت بعد ذلك، وطاردت جميع الكتائب والفصائل المعارضة لها، وعلى رأسها «جبهة النصرة» بقيادة أبو محمد الجولاني، مسقطة أقنعتها المتأسلمة مرة إثر المرة، فهي تارة تقتل من كان جزءاً منها وانفصل عنها، وتارة تقتل انتقاماً من الشيعة، ثم تعود بمذابح على أهل السنة في العراق والشام، وكأنها بكل مذابحها الوحشية الدموية، تسعى لتؤكد لنا أنه ليست لها علاقة بالإسلام إلا اسمها الذي ألصقته بديننا الحنيف.
وإلا فكيف يبررون انتماءهم لدين وهم يعتنقون ويعملون بكل ما ينافيه بشدة؟! فهل تحقيق هدف «الخلافة الإسلامية» وتطبيق الشريعة يكون بالذبح والقتل والسبي، ونشر الدمار وثقافة الموت التي تبنّاها التنظيم؟ والنص القرآني يؤكد أن الإسلام دين الرحمة والإنسانية، وتاريخ نبيه المبعوث (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، يوضح لنا شمولية الرحمة والاحترام للجميع.
إن جوهر الأمر ليس بالتجسيد «الداعشي» لهذا الفكر المرعب اللا إنساني، فقد سبق «داعش» كثير من الحركات الإسلامية المتطرفة، التي كان أبرزها وأطولها عمراً تنظيم «القاعدة» بقيادة أسامة بن لادن، فضلاً عن كثير من الحركات والأحزاب الأخرى، التي إذا حكمنا عليها من آثارها ونتائجها، فسنرى أنها لم تحقق للإسلام والمسلمين أية أهداف طيبة، أو نتائج تشهد لها بالخير في أي بلد كانت لها موطئ قدم فيه، فلماذا إذاً كانت نتائج هذه الأحزاب في غير صالح المسلمين والمنطقة كلها؟
بل إنها جرّت المنطقة لنكبات وكوارث أساءت للإسلام والمسلمين في العالم أجمع، وجعلت في الفترة الأخيرة الإسلام رديفاً للإرهاب في العالم، والمسلمين جميعاً محط اتهام!
من جراء ذلك، ولغيرها من الأسباب، يتحدث المحللون والباحثون السياسيون دوماً، عن أصل هذه الحركات ونشأتها، فكما شاهد الجميع سابقاً مسرحية ابن لادن مع الولايات المتحدة، وكيفية انقلاب السحر على الساحر، فمن وجهة نظرهم أن «داعش» أيضاً، هو صنيعة تورّط أمريكي «إسرائيلي» وإيراني لم يخرج من نطاق وكالة الأمن القومي الأمريكية NSA، بالتعاون مع نظيرتها البريطانية، ومخابرات إقليمية في مخطط لتفكيك المنطقة، وإثارة النزاعات الطائفية فيها، للقضاء على استقرارها وأمنها ومقدراتها.
لكن السؤال البديهي: إذا كانت هذه التنظيمات صنيعة قوى شرٍّ خارجية تهدف لإضعاف المنطقة وتقسيمها، من خلال نشر الرعب والدمار واستنزاف خيراتها، فلماذا ينغمس الشباب المسلم والعربي في مستنقعها الآسن الفاسد؟
وهنا ستتوالى الإجابات متلاحقة، كاشفة حجم البؤس الذي يعيشه كثير من أبناء المنطقة، حيث كشفت الدراسات النفسية المعنية بالتحاق الشباب العربي اليافع بهذه التنظيمات، أن أهم أسباب هذا التورط هو الجهل الديني، الذي لا يعرف من الإسلام إلا بعض القشور، والفقر والحاجة الشديدة للمادة التي تغدقها «داعش» على أتباعها، والفراغ النفسي للشباب.
الحل الجذري لاجتثاث مثل هذه التنظيمات، هو حركة تنمية شاملة لمجتمعاتنا وخاصة المراهقين والشباب، تنمية تتولاها كافة المؤسسات ابتداءً من الأسرة والمدرسة، مروراً بالنادي والإعلام والثقافة والفنون، وقتها فقط ستمتلئ أرواح وعقول شبابنا بثقافة النور والسلام، والعمل والإنجاز التي أرادها الإسلام، ووقتها لن تستطيع أي طاقات ظلامية شريرة، التسلل إلى عقولهم وأفكارهم المحصّنة.
وأتذكر هنا كلمة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، إبّان عرض مسرحية «داعش والغبراء» التي ألفها سموه، وعُرضت في الدورة الثانية لمهرجان المسرح الصحراوي أواخر عام 2016، حينما اختصر الحكاية كلها في جملة بسيطة: «نتمنّى من كل مسلم أن يعمل على معرفة الإسلام الصحيح، الذي أتى به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويزيل من أفكاره كل تلك الخزعبلات، وكل ما أُضيف على هذا الدين، والذين تاجروا به والذين تزعموا به».
نقلا عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة