"ترامب والجولان".. إفشال مبكر لصفقة القرن
موقف أمريكا من الجولان يضر بمصالح حلفاء الولايات المتحدة في دول الخليج ومصر والأردن والعراق، ويضعهم في مواقف متناقضة يصعب التوفيق بينها
بين "دونالد ترامب" الرئيس الأمريكي و"بنيامين نتنياهو" رئيس الوزراء الإسرائيلي توافق واتفاق قد يصل في العديد من الأحيان إلى التطابق، وكأن أحدهما استنسخ من الآخر، فكلا الرجلين باختلاف موقعيهما ومسؤولياتهما ينتميان سياسيا وفكريا إلى اليمين؛ الأول أي ترامب يريد أن يبني سورا وجدارا بينه وبين المهاجرين المكسيكيين والثاني يبني جدارا نفسيا وقانونيا من خلال قانون الدولة القومية ضد الشعب الفلسطيني، وكذلك فإن ترامب يرفع شعار "أمريكا أولا" ويتنكر لحلفاء الأمس من الأوروبيين، والثاني أي نتنياهو لا يكترث سوى بأمن إسرائيل ولسان حاله يقول إسرائيل ومن بعدها الطوفان وبقائي في رئاسة وزرائها لأطول مدة ممكنة.
بين ترامب ونتنياهو تشابه كبير من حيث الظروف التي يواجهها كلاهما؛ بالإضافة إلى ذلك فالرجلان رغم المسافة التي تفصل بين موقعيهما، كل منهما في حاجة إلى الثاني ربما بالدرجة نفسها، فترامب يأمل في بقاء نتنياهو لفترة حكم خامسة، وكذلك يأمل نتنياهو في بقاء ترامب في ولاية رئاسية ثانية، فنجاح أحدهما يكاد يكون –تقريبا- تعزيزا لمواقع الآخر سواء تعلق الأمر بالأشخاص أم بالسياسات.
ومن المؤكد أن هذا التوافق وذلك التطابق من حيث المواقع والتوجهات الفكرية والسياسية، لا يقلل بحال تأثير التوافق الأمريكي الإسرائيلي على صعيد البنى الثقافية والسياسية.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقّع، أمس الإثنين، مرسوماً رئاسياً يعترف بـ"سيادة إسرائيل" على مرتفعات الجولان المحتلة منذ عام 1967، حيث جاء التوقيع في بداية اجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، وأضفى المرسوم الصبغة الرسمية على بيان ترامب في 21 مارس/آذار؛ حيث قال: "حان الوقت بعد 52 عاماً أن تعترف الولايات المتحدة بسيادة إسرائيل الكاملة على مرتفعات الجولان التي تتسم بأهمية استراتيجية وأمنية بالغة لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي"، ولقد سبق تصريح ترامب بنية الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، تجنّب الدبلوماسية الأمريكية استخدام تعبير "الاحتلال" للجولان واستبداله بتعبير السيطرة الإسرائيلية وهذا التغير اللغوي والدلالي لم يكن منفصلا عن سياق تفكير وعقلية قائد البيت الأبيض.
قرار إخراج هضبة الجولان من السيادة السورية، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليها، يفترض في أحسن الحالات جهل وتجاهل الطبيعة القانونية للاحتلال في القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وفق معاهدات جنيف أو اتفاقية لاهاي أو ما شابههما من وثائق ومعاهدات دولية، والتي تنص جميعها على أن الاحتلال ذو طبيعة مؤقتة وانتقالية ولا يمكن أن تكون وضعية الاحتلال دائمة أو نهائية، كما أن هذه الاتفاقيات والمعاهدات التي تمثل موقف القانون الدولي من الاحتلال تعتبر أن هذه الصفة؛ أي خضوع إقليم أو دولة للاحتلال ليس من شأنه أن يعصف بسيادة الدولة أو سيادتها على الإقليم الخاضع للاحتلال؛ ذلك أن السيادة دائمة لا يغير من طبيعتها العدوان والاحتلال وإن توقفت ممارستها نتيجة لهذه الظروف القهرية غير العادية وغير الطبيعية.
من ناحية أخرى، فإن هذا القرار يعكس الإمعان في الانحياز الأمريكي لإسرائيل على حساب الحق العربي السوري في استعادة السيادة على الجولان، ودعم بنيامين نتنياهو في محنته الراهنة وقبل بضعة أسابيع من الانتخابات المقبلة في إسرائيل، خاصة بعد عزم المدعي العام توجيه لائحة اتهامات لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الأمر الذي أسهم في تراجع مكانة الليكود واليمين الإسرائيلي وعلى رأسه بنيامين نتنياهو في استطلاعات الرأي العام، وتوقع عدم حصول معسكره على المقاعد التي تخول له تشكيل الحكومة المقبلة، ومنح المعسكر المعارض تحالف "أبيض أزرق" الذي يضم حزب جانتيس وحزب "يوجد مستقبل" ويحظى بثقل ثلاثة جنرالات رؤساء أركان سابقين ووزير دفاع بما لهؤلاء الثلاثة من مصداقية في مجال الأمن والدفاع طيلة عقود من الخدمة في الجيش الإسرائيلي، ولا شك أن نفي ترامب الصلة بين القرار والانتخابات الإسرائيلية في 9 أبريل المقبل لا ينطلي على أحد. هكذا يحقق ترامب لنتنياهو إنجازات تبدو غير مسبوقة لمن قبله تتعلق أولا بتصفية القضية الفلسطينية وتتعلق ثانيا بالاعتراف بسيادة إسرائيل في هضبة الجولان السورية؛ نظرا لأهميتها الاستراتيجية لأمن إسرائيل، ويمنحه ورقة انتخابية يستطيع أن يواجه بها خصومه من المعسكر المنافس في الانتخابات، موقف ترامب يكاد يكون قبلة الحياة لنتنياهو.
في حين أن ترامب بقراره الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، يمكنه أن يعوّض الضعف الذي يعاني منه على صعيد السياسة الداخلية الأمريكية نتيجة تبنيه نهجا غير مألوف بتعزيز تأييده لإسرائيل ولليمين الإسرائيلي للحصول على دعم اللوبي اليهودي الإعلامي والسياسي، وكذلك دعم الطائفة الإنجيلية المسيحية الصهيونية التي ترى في إسرائيل بؤرة للخلاص، خاصة الدعم الانتخابي في حالة ترشحه لمدة رئاسية ثانية بعد انتهاء ولايته الحالية.
وهكذا، فإن القرار على الصعيد القانوني يتجاهل تماما وضعية الجولان المحتل القانونية الدولية والتي اعترفت بها المجموعة الدولية ممثلة في قرار الأمم المتحدة رقم 497 لعام 1981، وبعد عدة أيام من قرار الحكومة الإسرائيلية بضم الجولان بقانون، وفرض الولاية الإدارية والقضائية الإسرائيلية عليها، واعتبار قرار إسرائيل باطلا وكأنه لم يكن ولا آثار له تغير من طبيعة وضع الجولان كأراضٍ محتلة، وأراضٍ سورية منذ عام 1923 أي قبل نشأة إسرائيل.
لم يكترث ترامب بالقانون الدولي ولا للمبادئ التي تأسس عليها، ويعود بدلاً من ذلك بالجماعة الدولية إلى ما قبل مبادئ القانون الدولي الحديث. من ناحية ثالثة فربما أراد ترامب توجيه رسالة إلى النظام السوري مضمونها أن تحالفه مع الروس وإيران وحزب الله قد يكون أنقذ نظامه وأنقذ سوريا من الانهيار والسقوط، ولكن هذا التحالف لن يكون قادرا على إنقاذ الجولان واستعادة السيادة السورية عليه، خاصة بعد تدعيم النفوذ الروسي في سوريا منذ عام 2016 وعليه أن يدفع ثمن هذه التحالفات.
موقف الإدارة الأمريكية الحالية من الجولان يضر بمصالح حلفاء الولايات المتحدة في دول الخليج ومصر والأردن والعراق، ويضعهم في مواقف متناقضة يصعب التوفيق بينها، أي تطوير العلاقات مع إسرائيل وقبول هذا التحول في السياسة الأمريكية إزاء العرب، والذي أدانته هذه الدول جميعا مضافا إليها الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة البريطانية وألمانيا وغيرها من الدول، التي أكدت بقاء وضعية الجولان كأراضٍ محتلة كما هي رغم القرار الأمريكي.
بيد أن الأهم من ذلك أن سياسة ترامب ومواقفه إزاء القدس والجولان واللاجئين، تضر ضررا بالغا بمشروعه المزمع تقديمه للسلام في المنطقة، حيث يفقد المشروع مصداقيته، وكشفت هذه المواقف عن مضمونه وفحواه، ولم يعد الغموض الذي يحيط به بناءً على أي نحو من الأنحاء بل يعزز الرفض الفلسطيني والعربي للمشروع المزمع تقديمه بعد الانتخابات الإسرائيلية قبل اتضاح أبعاده كما يمنح المقاومة المشروعية المطلوبة واعتبارها الرد الطبيعي على مثل هذه الإجراءات والمواقف.
الموقف العربي والسوري إزاء هذه السياسات الجديدة لا بد أن يرتكز بالطبع على التمسك بالقانون الدولي وبمبادئ العلاقات الدولية المستقرة، وفي الوقت نفسه يدرك حقيقة أن القانون الدولي يمثل نموذجا ومثالا لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الدول.