إدلب.. هل تصبح العقبة الأخطر في الأزمة السورية؟
غموض مصير معركة إدلب لا يرتبط فقط بصعوبة كافة السيناريوهات المتوقعة، بل يمتد إلى مصير التنظيمات المسلحة
يرى مراقبون دوليون بوادر للتسوية السياسية للأزمة السورية، في الوقت الذي لا يزال الموقف مشتعلا في مدينة إدلب منذ ما يزيد عن شهر، كونها المعقل الأخير للإرهابيين في سوريا.
واندلعت اشتباكات مسلحة بين النظام السوري وعناصر التنظيمات الإرهابية (هيئة تحرير الشام وبقايا داعش وفصائل المعارضة المسلحة) في محافظة إدلب وأجزاء من حلب واللاذقية وحماة، في 26 أبريل/نيسان الماضي، وأعلن الجيش السوري شن عمليات عسكرية مكثفة ضد أوكار المجموعات الإرهابية ومحاور تحركاتها وخطوط الإمدادات في قرى عابدين وكفر نبودة وكفر سجن بريف إدلب وحماة، حسب وكالة الأنباء السورية (سانا).
ويقول أحمد عليبة، الخبير بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن معركة إدلب تعيد الصراع السوري إلى المربع الأول، خاصة مع شدة المواجهات بين الطرفين، وعودة ظهور التنظيمات الإرهابية مرة أخرى بقوة، ما يجعلها المعركة الأشد والأكثر صعوبة عن باقي المعارك الماضية بسوريا.
كما اعتبر مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن التصعيد العسكري في إدلب يصبح العقبة الأساسية أمام سيطرة النظام السوري على كافة الأراضي السورية، فالمدينة الواقعة شمال سوريا وتبلغ مساحتها 6100 كم2 تعد محطة مهمة وفاصلة في الأزمة السورية.
صعوبة المعركة.. لماذا؟
في 26 مايو/أيار الماضي، نجحت قوات النظام السوري في تصفية 100 إرهابي وصد هجوما واسعا شنته التنظيمات المسلحة بمشاركة 450 مسلحا ونحو 7 دبابات و12 سيارة رباعية الدفاع محملة برشاشات من العيار الثقل، ما يشير إلى صعوبة المعركة وتأزم الوضع في إدلب.
وأرجع عليبة، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أسباب صعوبة معركة إدلب إلى كونها المعقل الأخير للتنظيمات المسلحة، ما يجعل المواجهات العسكرية أشد، إضافة إلى تعقد التحالفات بين الأطراف الإقليمية (روسيا وإيران وتركيا)، وفشل المفاوضات للتسوية عبر جولات الأستانة الـ12.
كما أوضح أن علاقة تركيا بالتنظيمات الإرهابية المتمثلة في أشكال الدعم المختلفة تزيد الأمر تعقيدا، خاصة أن النظام السوري على خصومة كبيرة مع هذه التنظيمات المسلحة.
ومن جانبه أشار مختار غباشي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إلى أن إدلب تضم تكتلا ضخما لفصائل المعارضة المسلحة والتنظيمات الإرهابية، وهزيمتهم في هذه المعركة تعني بداية النهاية لهم، ما يعني أن القتال سيصبح أكثر شراسة، مؤكدا أن إدلب تعد مرحلة سيطرة النظام السوري على كافة مقدرات الدولة السورية، لموقع إدلب بين تركيا شمالا، واللاذقية غربا وحلب شرقا وحماة جنوبا.
واتفقا غباشي وعليبة حول أن عدد السكان بإدلب الذي قد يصل إلى 4 ملايين نسمة بين السكان الأصليين والمتشددين، عقبة كبيرة في الصراع، خاصة أن طبيعة المكون المجتمعي اختلفت بعد نزوح إرهابيين من منطقة شرق الفرات إلى إدلب أثناء المعارك الأخيرة ضد داعش.
صفقة تركية
وتعد إدلب هدفا استراتيجيا للإدارة التركية لموقعها الجغرافي وقربها من ولاية هطاي التركية من ناحية الشمال، وربطها بين منطقة سيطرة أكراد سوريا والحدود التركية.
وعن موقف تركيا من الصراع المشتعل في إدلب، خاصة أنها طرف في ثلاثي محادثات أستانة، يرى أحمد عليبة أن كل السيناريوهات المطروحة لإنهاء معركة إدلب تصبح صعبة بداية من الحسم العسكري وصولا للتسويات، متوقعا أن مساعي تركيا لاستغلال هذا الصراع من أجل إبرام صفقة تتيح لها الانتشار بطول نحو 40 كم على الشريط الحدودي مع إدلب.
وأضاف "تركيا تدعم العناصر الإرهابية، وتستخدمهم دائما ورقة ضغط من أجل مساومة النظام السوري، وعقب القرار الأمريكي لسحب القوات من سوريا، هددت تركيا بنقل 25 ألف مسلح من شرق الفرات إلى إدلب".
ومن جانبه نوه مختار غباشي، إلى أن الإدارة التركية تستخدم إدلب كبوابة مهمة لحدودها وضرب أكراد سوريا، لامتلاك تركيا 12 نقطة مراقبة في إدلب، بموجب اتفاق "خفض التصعيد" المبرم في أكتوبر/تشرين الأول في 2017 بين أطراف سورية وإقليمية.
مصير الإرهابيين
غموض مصير معركة إدلب لا يرتبط فقط بصعوبة كافة السيناريوهات المتوقعة، بل يمتد إلى مصير التنظيمات المسلحة التي تتمركز أغلبها في ريف إدلب.
ويقارن عليبة بين الوضع في إدلب والباغوز السورية، موضحا أن الأغلبية في الباغوز كانوا تابعيين لداعش ما سهل مهمة طردهم، بينما في إدلب تتنوع التنظيمات بين جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) وعناصر من داعش وأحرار الشام وفصائل مسلحة، بعضهم عناصر محلية وأخرى أجنبية توغلت في المجتمع السوري نتيجة التحول الديموغرافي التي عملت تركيا على تنفيذه.
وحسب تقرير نشره "معهد واشنطن المختص بشؤون الشرق الأوسط" في نهاية 2018، تتراوح أعداد المسلحين في إدلب بين 50-90 ألف مسلح بين عناصر أجنبية ومحلية جاءت من درعا والغوطة الشرقية والرستن وشرق الفرات وحلب.
وتوقعا الخبيران أن الصراع المسلح في إدلب يأخذ سوريا إلى دائرة صراع جديدة، تتغير فيها ملامح التعاطي دوليا مع الأزمة التي تجاوزت الـ8 سنوات، وتغير توقعات التسوية السياسية، لتشابك المصالح والتحالفات بالأراضي السورية.
ومع استمرار المواجهات العسكرية وضبابية المشهد في إدلب يظل السؤال قائما، هل تصبح هذه المعركة المرحلة الأخطر في الأزمة السورية؟