تركيا وإيران وسوريا.. دبلوماسي مصري يرسم مسارات القاهرة الخارجية (مقابلة)
وسط عالم يموج بالاضطرابات، وتتبدل فيه توازنات القوى الإقليمية والدولية، خطت الدبلوماسية المصرية لنفسها خطا واضحا بين المبادئ والمصالح.
سياسة اتسمت بالمرونة وإعادة التقييم المستمر، مما جعل البلد الأفريقي يملك مفاتيح توازن دقيقة مع الجميع، رغم التطورات التي غيرت من شكل الإقليم.
فمن إيران مرورا بسوريا إلى تركيا، ملفات شهدت تطورات جذرية خلال الفترة الأخيرة، كان لمصر موقف في تحريك المياه الراكدة في بعضها، فيما كانت محركا رئيسا لأخرى، مما رسخ من مكانة البلد الأفريقي داخليا وخارجيا، باعتباره شريكا موثوقا به.
نهج قال عنه السفير محمد العرابي، رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير الخارجية المصري الأسبق، إنه كان "ناجحا جدا، وحقق أهدافه بدقة"، مشيرا إلى أن "إدارة العلاقات الخارجية في عالمنا الحالي أمر بالغ الصعوبة، وفي حاجة إلى رؤية صحيحة واتباع استراتيجية استباقية دائما".
وأوضح الدبلوماسي المصري السابق، في مقابلة مع "العين الإخبارية"، أن الأوضاع الإقليمية والدولية تضع مسؤولية "ثقيلة" على إدارة العلاقات الخارجية إلا أن الدبلوماسية المصرية رسمت خطا واضحا بين المبادئ والمصالح، مما جعلها تملك توازنا دقيقا مع الجميع.
وحول التطورات الإقليمية، قال وزير الخارجية المصري الأسبق "نعيش في إقليم يشهد متغيرات حادة، ومشاكل تتسم بإطالة الأمد، ما يجعل من الدبلوماسية وإدارة العلاقات مع دول الإقليم في منطقة إعادة التقييم المستمر، شريطة تبني سياسات سريعة ومرنة، مع الحفاظ على الأمن القومي دون تنازلات".
تركيا.. تطورات إيجابية
وحول محددات ومسار تطور علاقات بلاده مع تركيا، قال الدبلوماسي المصري السابق إن العلاقات تأخذ منحى إيجابيا، واصفا إياها بـ"المهمة وتؤثر على الاستقرار والأمن في المنطقة".
وأوضح أن بلاده "حريصة على توافر مناخ جديد يتخطى الماضي، لكن بحرص، ويسمح للدولتين للوصول إلى تفاهمات استراتيجية في الملفات المتشابكة، والتي تتعلق أيضا ببعض دول الإقليم".
وحول ما تردد عن تبادل للسفراء بين الدولتين، والترتيب للقاء قمة بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، قال العرابي: "حتى إذا افترضنا تبادل السفراء وإن كنت لا أراه في المستقبل القريب، فإن ذلك لن يعني التوافق حول كل الأمور المهمة".
فـ"مصر لا تتدخل في الشأن الداخلي التركي، وباعتقادنا أن علاقة الأخيرة مع القاهرة لها تأثير على الوضع السياسي الداخلي هناك، لذا فإن أمر لقاءات القمة سيكون له حسابات خاصة"، يقول العرابي، مشيرا إلى أن الملفات بين أنقرة والقاهرة عديدة ومتشابكة وتتصل بالأمن القومي العربي والأمن القومي المصري.
الدبلوماسي المصري السابق قال إن "أنقرة تتحمس للقاء قمة بين الرئيسين قريبا، إلا أن لقاءات القمة تعقد في إطار معطيات محددة، يمكن النظر لهكذا لقاء بإيجابية، إذا ما توافرت معطياته".
وبحسب الدبلوماسي المصري، فإنه "بينما تتسارع الخطوات التركية لاستعادة العلاقات مع مصر تسير القاهرة بخطوات محسوبة دون عجلة من أمرها، لأن الملفات كثيرة، وصعبة، وتمس الأمن القومي".
إيران.. لا خلافات حادة
ومع تقارب السعودية وإيران، اتجهت الأنظار إلى القاهرة وما إذا كانت ستسلك نفس الطريق، إلا أن الدبلوماسي المصري قال إن "محددات العلاقة السعودية-الإيرانية، قد تختلف مع محددات العلاقة المصرية-الإيرانية"، مشيرا إلى أن "هناك ترتيبات إقليمية ذات طابع حديث، وكل دولة لها حساباتها الخاصة".
وأوضح أن "لمصر سفارة في طهران على مستوى القائم بالأعمال، ولإيران أيضا في القاهرة"، مشددا على أنه "لا خلافات حادة تشوب العلاقات مع إيران، أكد العرابي في الوقت ذاته أن الحذر واختبار النوايا أمر هام في هذه المرحلة".
وليس ببعيد، تحدث وزير الخارجية المصري الأسبق عن العلاقات مع إيران في ظل تقاربها الأخير مع السعودية، قائلا: إن العلاقات مع إيران أخذت زخما كبيرا مؤخرا، خاصة بعد الدور الصيني المتنامي في المنطقة، ورعايته للاتفاق السعودي الإيراني.
سوريا.. تحول إيجابي
وحول العلاقات المصرية السورية بعد التطورات الأخيرة، قال وزير الخارجية المصري الأسبق إن "هناك زخما متضامنا مع سوريا"، مشيرا إلى أن القاهرة أبدت منذ عام 2011 "حرصها" على وحدة الأراضي السورية.
وأضاف الدبلوماسي المصري الأسبق: "سفارتنا في دمشق تعمل بكفاءة، لكن على مستوى بعثة دبلوماسية منذ ذلك التاريخ"، مشيرا إلى أن "زيارة وزير خارجية سوريا لمصر تمثل قوة دفع لعودة سوريا إلى محيطها العربي".
وأكد العرابي أن الباعث الأساسي وراء السياسة المصرية تجاه سوريا هو الحفاظ على الدولة الوطنية السورية، مشيرًا إلى أن "الدولة المركزية هي التي تحافظ على سيادة الأراضي ووحدتها ومنعها من التقسيم".
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أجرى في أعقاب الزلزال الذي ضرب سوريا في فبراير/شباط الماضي، اتصالا هاتفيا هو الأول له منذ قدومه إلى السلطة في 2014، بنظيره السوري بشار الأسد، أعرب خلاله عن تضامن القاهرة مع دمشق، ما اعتبره العرابي "بمثابة تحول إيجابي في العلاقات المصرية السورية، ويفتح الباب لاتصالات أوسع ومحادثات تمهد لعودة سوريا للجامعة العربية".
ويوم الإثنين 27 فبراير/شباط الماضي، أنهت مصر سنوات من "القطيعة" مع سوريا بزيارة تاريخية أجراها وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى دمشق، في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب دولتي سوريا وتركيا، وخلف آلاف القتلى والجرحى.
اختبار نوايا
وبتفاؤل مشوب بحذر، ينظر رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية إلى الاتفاق السعودي الإيراني، قائلا إن التفاهم بين الدولتين يشكل نقطة مهمة لتخفيض درجة التوتر في الإقليم.
وأكد الدبلوماسي المصري أن إيران يجب عليها بذل جهود كبيرة لتقديم صياغة جديدة لسياستها في الإقليم، مضيفا "في العرف الدبلوماسي نقول إن فتح السفارات، وتبادل السفراء، لا يعني انتهاء الخلافات".
وبحسب العرابي فإن المطلوب توفير مناخ ملائم وجدي للتطرق بنوايا صادقة للتعايش والتعاون، بعيدا عن احتمالات المواجهة، أو توفير دعم لبعض الأذرع لتنفيذ أوهام التمدد والسيطرة.
وحول زيارة الرئيس السيسي السريعة إلى السعودية وأهميتها، قال الدبلوماسي المصري البارز إن "التوافق المصري السعودي ركيزة أساسية لاستقرار المنطقة"، مشيرا إلى أن "هناك إدراكا وتمسكا بهذه الحقيقة من الجانبين".
وأكد أن "أي محاولات لزعزعة هذا التوافق لم ولن تنجح، فالقاهرة والرياض تشكلان جناحي العمل والتضامن العربي".
وزار الرئيس عبدالفتاح السيسي السعودية الأحد الماضي بضع ساعات، للقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية "واس"، فإن اللقاء "استعرض العلاقات الثنائية الوثيقة والتاريخية بين البلدين، وآفاق التعاون المشترك وسبل تعزيزه وتطويره في مختلف المجالات، إلى جانب بحث تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية والجهود المبذولة تجاهها، بالإضافة إلى بحث مجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك".
ظروف استثنائية
وبسؤاله عن المأمول من القمة العربية في السعودية مايو/أيار القادم، أجاب العرابي: "تأتي القمة في ظروف استثنائية ومعقدة، وأتوقع أن ترتفع إلى مستوى التحديات، ومخرجات تتناسب مع الوضع الدولي، وتخاطبه برؤيه استراتيجية موحدة"، مشيرا إلى أن المملكة تشهد تطورات كبيرة في مختلف المجالات، وسيكون لها تأثير إيجابي على سياستها العربية.
وتوقع الدبلوماسي المصري الأسبق مناقشة عودة سوريا إلى مقعد الجامعة العربية خلال القمة العربية القادمة في سوريا.
وكانت الجامعة العربية علقت المشاركة السورية في أنشطتها منذ نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011، في أعقاب اندلاع الأحداث بسوريا.