بعد تسع سنوات عانى فيها الشعبان السوري والليبي الأمرين؛ ألم يحن الوقت لنقيم أداء الجامعة العربية فيما تعرضت له سوريا وليبيا خصوصا؟
تلوك الألسن في أروقة الجامعة العربية حديثا مكررا على مدى خمسة وسبعين عاما عن العمل العربي المشترك وأهمية الجامعة كمنظومة للتنسيق بين الدول في السياسة والاقتصاد والثقافة والأمن القومي.
العرب حجزوا لأنفسهم مقعدا كشريك مؤثر وفاعل في أي مؤتمر دولي يناقش الشأن الليبي مثل مؤتمر برلين وغيره .. فلو أن الدول العربية لم تستدرك خطأها في ليبيا لكان الشأن الليبي اليوم بيد تركيا وروسيا وبعض الدول الأروبية.
وإن كانت هذه العجالة لا تتوخى تقييم أداء الجامعة فمن الضروري التذكير ـ على ذكر الأمن القومي ـ بأن أربع عواصم عربية تسيطر عليها إيران وهي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء وثلاث دول توجد على أراضيها قوات أو مرتزقة تركية وهي سوريا وليبيا وقطر.
مع بداية ما سمي بالربيع العربي كان الجميع ـ إلا من رحم ربك ـ يتعامل مع اللحظة كعادتنا نحن العرب انطلاقا من مبدأ "لك الساعة التي أنت فيها".
وهكذا طغى التعاطف الواسع والحماس الجامح على المواقف وحال دون ما يلزم من الاستشراف والتروي؛ فاندفعت بعض القيادات السياسية ـ عن طيب نية ـ ملبية نداء الشعوب الداعية لنصرة إخوة رفعوا مطالب مشروعة ووجهت بالقمع الوحشي كما حدث في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن .
حصل ما حصل في تونس ومصر واليمن مما يعلمه الجميع؛ أما ليبيا وسوريا فقد قرر العرب تعليق عضويتهما في الجامعة العربية؛ ومنح مقعد ليبيا للمجلس الانتقالي ومقعد سوريا للمعارضة السورية عام 2013 في إطار فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على الحكومة السورية.
ليس سرا أن قطر حاملة راية التحركات العربية القاسية ضد نظامي القذافي والأسد؛ وكانت المبادرة والداعمة لعسكرة التحركات الشعبية في البلدين؛ رغم أن النظامين كانا من أكثر الأنظمة العربية ودا للنظام القطري.
انهار نظام معمر القذافي واستطاع نظام الأسد الحفاظ على نفسه بمساعدة روسية إيرانية تشرد الملايين من مواطني الدولتين وقتل الآلاف؛ وفي الجانب الآخر تكشفت حقائق كثيرة ومهمة عن المشروع القطري في المنطقة حيث ظهرت حقائق كثيرة ومهمة عن قطر أدت لمقاطعتها من بعض الدول العربية المهمة ووجهت لها اتهامات بدعم الإرهاب والتطرف والتدخل في شؤون الدول؛ وتبين أن قطر التي كانت تحمل راية مقاطعة النظام السوري والليبي ظهر أنها كانت تخطط لزعزعة الاستقرار في دول عربية أخرى على رأسها السعودية .
أمام هذه المعطيات وبعد تسع سنوات عانى فيها الشعبان السوري والليبي الأمرين؛ ألم يحن الوقت لنقيم أداء الجامعة العربية فيما تعرضت له سوريا وليبيا خصوصا؟ ألم يكن بمقدور الجامعة العربية لعب دور أكثر فاعلية في الأزمتين؟
يحضرني هنا موقف الاتحاد الافريقي من الدول التي تحدث فيها انقلابات عسكرية حيث جرت العادة أن تعلق عضوية هذه الدول مباشرة في الاتحاد لكن الاجراءات لا تتوقف عند ذلك بل يقدم الاتحاد مساعدة لهذه الدول للوصول لحل يقضي برفع العقوبات؛ وكلنا يذكر دور الاتحاد الافريقي في السودان ومساعدته للفرقاء السودانيين إلا أن وصل السودان لبر الأمان وسلك طريق النجاة ..لماذا يقف الدور العربي عند العقوبة فقط دون مد يد العون للدول الأعضاء التي واجهت أزمات سياسية؟
عقد الكثير من المؤتمرات الدولية حول الأزمة السورية في جنيف وأستانا وسوتشي وسط غياب تام للدور العربي؛ فبات الملف السوري محصورا بين روسيا وإيران وتركيا لتقرير مصير أمر سوريا العربية .. عاقبت منظومة العمل العربي سوريا الرسمية أو سوريا الأسد وأغلقت الباب أمام أي مساعدة ؛ليتفرد الغرباء بأمر الشعب السوري الشقيق.
أما ليبيا فقد تدارك بعض العرب الموقف وساعدوا أشقاءهم الليبيين في لملمة جراحهم وساندوا عملية الكرامة التي يخوض الجيش الليبي ضد القاعدة وداعش في بنغازي ودرنة والجنوب الليبي؛ كما وفر المغرب وبعض الدول العربية المناخ المناسب للفرقاء الليبيين للتوصل لاتفاق سياسي في مدينة الصخيرات ورغم عدم الالتزام بمخرجات هذا الحوار إلا أن العرب حجزوا لأنفسهم مقعدا كشريك مؤثر وفاعل في أي مؤتمر دولي يناقش الشأن الليبي مثل مؤتمر برلين وغيره .. فلو أن الدول العربية لم تستدرك خطأها في ليبيا لكان الشأن الليبي اليوم بيد تركيا وروسيا وبعض الدول الأروبية.
لقد وضع وزير الدولة للشؤون الخارجية الاماراتي الدكتور أنور قرقاش أصبعه على مكمن الوجع في تغريدته حول المشهد السوري وما يجري في إدلب حيث ذكر أن عودة الدور العربي لمواجهة تحديات الأمن القومي العربي أصبحت أكثر من ضرورة.
فعلا معالي الوزير هي ضرورة ملحة إلحاح السؤال الذي يراود كل سوري وكل ليبي بل كل عربي: لماذا يُعاقب العرب ولا يمدون يد العون؟!.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة