تداعيات إعلان الانسحاب الأمريكي من سوريا لا تزال متباينة بين مواقف سياسية دولية وخطط وتحركات عسكرية يجري التحضير لها حالياً.
تداعيات إعلان الانسحاب الأمريكي من سوريا لا تزال متباينة بين مواقف سياسية دولية، وخطط وتحركات عسكرية يجري التحضير لها حالياً، فضلاً عن تجاذبات بين قوى المؤسسات العميقة داخل الولايات المتحدة، حيث لا يزال الانسحاب بلا خطة، أو برنامج واضح ومعلن، وإنما مجرد قرار غادر على إثره وزير الدفاع جيمس ماتيس، وترك حالة ترقب مثيرة بين حلفاء أمريكا وخصومها أيضاً.
قرار ترامب ليس إلا تكتيك داخلي مؤقت لإعادة المؤسسات الأمريكية لتصطف خلفه تحت شعار "أمريكا أولاً"، وتكتيك آخر يعيد فيه الصراع مجدداً للمنطقة، ولكن بمشاركة محاربين منقسمين على مصالحهم ولن يستطيعوا حسمها وحدهم؛ لتعود أمريكا مجدداً لتحسم الصراع بطريقتها!
السؤال الأهم: لماذا قرر ترامب الانسحاب في هذا التوقيت من سوريا؟ وما أسبابه؟ وما الاحتمالات التي يتركها قرار بهذا الحجم على مستقبل حلفاء أمريكا في المنطقة؟ والجواب حتماً يعود بنا أولاً إلى تحديد الأهداف الأمريكية في سوريا المتمثلة في إنهاء تنظيم داعش الإرهابي، وإخراج القوات الإيرانية من الأراضي السورية، والوصول إلى تسوية سياسية هناك، وهذه الأهداف لم تتحقق بنسبة كبيرة جداً، حيث لا يزال داعش يشكّل مصدر تهديد، وإيران موجودة على الأرض، والحل السياسي أصبح تابعاً لنتائج العمل العسكري، وبالتالي لا يوجد مبرر للانسحاب وتلك الأهداف لا تزال قائمة.
هناك من يرى أن الانسحاب تكتيك أمريكي لإغراق الروس في حسابات الحل السياسي في سوريا، إلى جانب تهرب ترامب من كلفة الإعمار هناك، كذلك الرغبة الأمريكية في إعادة توزيع قدراتها بعيداً عن الشرق الأوسط الذي حان الوقت ليحارب فيه آخرون -كما يقول ترامب- بهدف مواجهة الصين التي وصلت إلى حدودها مع أمريكا الجنوبية، وإلى تهديد مصالحه الاستراتيجية في آسيا الوسطى بفعل العامل الاقتصادي، أما على الصعيد الداخلي؛ فالانسحاب ليس إلا تخفيف الضغوط على الرئيس ترامب من خصومه في الكونجرس، وإغراقهم في ملفات الأمن القومي الأمريكي التي يرى فيها ترامب عنواناً لمرحلته المقبلة مع الكونجرس الجديد.
القرار المفاجئ بالانسحاب على تعدد أسبابه؛ لا يزال أكثر المستفيدين منه -روسيا وإيران وتركيا والنظام السوري- متوجسين من تبعاته رغم أنه في صالحهم، وهو ما جعل الروس يتساءلون عن المرحلة الجديدة التي يقصدها الرئيس ترامب في إعلان انسحابه، وتركيا تؤجل عملياتها العسكرية في شرق الفرات رغم تهديدها بأن تدفن الأكراد في خنادقهم، وإيران تعيد ترتيب صفوفها مع النظام وحزب الله لتطويق التحرك الإسرائيلي المحتمل، بينما أكثر المتضررين من القرار "إسرائيل والأكراد والعرب المتحالفين ضد النظام السوري" يترقبون الخطوة الأمريكية الأخرى؛ لأن أمريكا عوّدت العالم أنها لا تنسحب بهدوء من أي مكان توجد فيه، والعراق خير دليل.
قرار ترامب ليس إلا تكتيك داخلي مؤقت لإعادة المؤسسات الأمريكية لتصطف خلفه تحت شعار "أمريكا أولاً"، وتكتيك آخر يعيد فيه الصراع مجدداً للمنطقة، ولكن بمشاركة محاربين منقسمين على مصالحهم ولن يستطيعوا حسمها وحدهم؛ لتعود أمريكا مجدداً لتحسم الصراع بطريقتها!
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة