ملفات ساخنة وتحديات.. تقارب تركيا وسوريا «المتسارع» بعيون الخبراء
لم تكد تمر ساعات على إعلان الرئيس السوري بشار الأسد انفتاح بلاده على التقارب مع تركيا حتى جاء الرد سريعا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي فتح الباب على مصراعيه نحو تطبيع علاقات البلدين.
انفتاح عده محللون وخبراء مدفوعا بضغوط داخلية وخارجية وملفات ساخنة وقضايا حاسمة لكلا البلدين، في عدة ملفات، أبرزها الأمن والاستقرار والتنمية وتوازنات العلاقات الدولية وغيرها.
- خبراء يتوقعون لـ«العين الإخبارية» ترتيبات أمنية تركية سورية تمهد لقمة
- اتفاق تركي سوري.. تأمين الحدود وسحب القوات
ولم تكد تمضي دقائق على التصريح الرسمي من كلا الجانبين، الذي انضم لسلسلة التصريحات اﻷخيرة، الصادرة عن الحكومة والمعارضة التركية على حد سواء تجاه التقارب مع دمشق، حتى أثيرت زوبعة من التساؤلات والتكهنات حول طبيعة الخطوة المقبلة ومدى جدية التحرك التركي هذه المرة.
أردوغان يرد على الأسد
وعبر حديث مباشر، أكد الرئيس السوري بشار اﻷسد أثناء استقباله مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف انفتاح بلاده على جميع مبادرات التقريب بين البلدين.
ورد بعدها الرئيس التركي على تلك التصريحات، مغيرا طريقة مخاطبته لنظيره السوري، ووصفه بـ"السيد اﻷسد"، معبرا عن رغبته بإجراء لقاء معه.
وأطلق أردوغان جملة من التصريحات استذكر فيها أيام "العلاقات العائلية"، كشفت في الوقت ذاته عن المسار الذي قد يتجه إليه ملف التطبيع بين البلدين.
وكان ملف التطبيع قد شهد جموداً منذ اللقاء الرباعي الشهير في موسكو قبل نحو عام، ولم تفلح جميع المحاولات الروسية وغير الروسية في تحريكه أو تغيير أي من خطوط التماس السياسية بين الجانبين.
عوامل داخلية وخارجية
وتسارع محاولات كسر الجليد المتراكم بين دمشق وأنقرة فتح ثقوبا جديدة في جدار الخلاف بين العاصمتين، شكلت محاور الاهتمام لمتابعي هذا الملف.
إذ اعتبر الخبير في الشؤون التركية سركيس قصارجيان، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "الأجواء والمسار أقرب من كل المرات السابقة للوصول لنتائج جدية، بدليل أن الإلحاح التركي المتزايد خلال الفترة الأخيرة على مسألة التطبيع يتعلق بشكل أساسي بالعامل الداخلي التركي، لا سيما أن أردوغان خسر كثيرا في الانتخابات البلدية الأخيرة، التي جاءت في غير صالحه، دون أن ننسى العامل الخارجي المتمثل بنوعية التوازن بالعلاقات الروسية التركية".
وبحسب الخبير السوري فإن "هناك محاولة من قبل الرئيس أردوغان للتوجه صوب الغرب، وبالتالي هو يحتاج لطمأنة روسيا، خاصة أن التزام تركيا بالعقوبات الغربية على روسيا والاتفاقات العسكرية مع أوكرانيا باتت تزعج موسكو كثيراً، وبالتالي يسعى أردوغان إلى إحداث نوع من التوازن مع روسيا من خلال التحرك الجدي في الملف السوري، هذا العامل أسهم بتتويج تصريحات التطبيع".
وتابع "ولا ننسى العامل الثالث وهو ملف محاربة التنظيمات الكردية على الحدود مع سوريا والمتمثلة بالإدارة الذاتية، إذ يحاول أردوغان تعزيز موقعه في هذه الحرب من خلال ضمان عدم صدور مواقف حادة من قبل إيران وروسيا ودمشق".
إضافة إلى "العامل الاقتصادي وضرورة طمأنة شركاء تركيا في منطقة الخليج في مشروع طريق التنمية، بأن المنطقة ذاهبة نحو الاستقرار وليس إلى التصعيد"، بحسب الخبير.
حظوظ النجاح
وهناك جدية تركية، بحسب توقعات الخبير قصارجيان، والأهم هناك رغبة تركية وإصرار تركي على إنجاز المصالحة لكن التساؤل يبقى عن مدى نجاح هذه الخطوة ووصولها للنهاية المأمولة، وهذا مرتبط بالمتغيرات السياسية سواء في الداخل أو بالخارج.
إذا الدور الأساسي لتحريك ملف التقارب مع سوريا هو للوضع الداخلي التركي والنزيف الانتخابي الذي عانى منه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية اﻷخيرة، الذي لعب دوراً أساسياً هنا، لكنه ليس الوحيد في إضفاء الجدية على مسار التطبيع بين البلدين.
ويضيف قصارجيان "ما يعول عليه ليس تصريحات أردوغان التي هي متكررة في الفترة الأخيرة، ولكن طبيعة المسار والتصريحات الصادرة عن بعض الجهات الداخلية التركية، إضافة للتصريحات الخارجية المركزة مؤخرا على ضرورة إنجاز هذه المصالحة، وهذه كلها تفيد بوجود حظوظ أكثر بإمكانية إنجاز التطبيع مقارنة مع المرات السابقة".
مسار طويل
بالمقابل يرفض عضو مجلس النواب السوري السابق مهند حاج علي، في حديث لـ"العين اﻹخبارية"، اعتبار أن ما يجري اليوم مفاجئاً ويشير إلى أن التدحرج في التصريحات التركية لإعادة ملف المصالحة مع دمشق إلى الواجهة كان قد سبقه مبادرة روسية إيرانية، وجرى الاشتغال على هذا الملف منذ عدة سنوات لتقريب وجهات النظر بين سوريا وتركيا.
لكن بحسب حاج علي فإنه "نتيجة نكوص الجانب التركي بالتعهدات التي تعهد بها في مؤتمر سوتشي أو مقررات آستانة اتخذت سوريا موقف المشكك بالنوايا التركية".
ويضيف "في السنة اﻷخيرة تدخل الجانب الروسي والصيني واﻹيراني لتقريب وجهات النظر مرة أخرى، وتشكلت لجان مشتركة ذات طابع فني وأمني من وزارتي الدفاع السورية والتركية وأجرت عدة لقاءات في هذا الإطار".
وبالتالي الانتقال اليوم للمرحلة التالية التي دخل العراق على خطها كانت نتيجة طبيعية للقاءات التي جرت على مدى المرحلة السابقة، ولكن كل ما يجري وما سيجري سيكون مبنياً على مبدأ أساسي قاله الرئيس اﻷسد صراحة، وهو التزام تركيا بالانسحاب من الأراضي السورية.
وتابع "كما أن رؤية تركيا لبعض المجاميع المسلحة في منطقة إدلب بأنها معارضة غير مقبول لدى سوريا، وإذا كان هناك فعلا معارضة معتدلة يجب فصلها عن جبهة النصرة، وهو مطلب سوري لا يمكن التنازل عنه بحسب حاج علي".
ولفت إلى أن "تركيا لم تستطع حتى الآن فصل المعارضة المعتدلة عن النصرة المدانة دوليا، فيجب إذا توحيد وجهة النظر في تعريف الإرهاب لدى البلدين، كي يصار للتقدم نحو عمل مشترك.
اتفاقية أضنة جديدة
حاج علي لفت في حديثه مع "العين اﻹخبارية" إلى أن تصريحا تركيا لافتا صدر كذلك مؤخرا عن وزير الدفاع التركي، أشار فيه معرض رده على نوايا تنظيم "قوات سوريا الديمقراطية" إجراء انتخابات محلية "هدد بعملية عسكرية، وقال قد تفكر تركيا بالانسحاب من الأراضي السورية إذا حصلت على ضمانات أمنية، والتساؤل ما هي الضمانات الأمنية التي تريدها تركيا، والجواب واضح وهو إبعاد هذه المجاميع المسلحة ٣٠ كيلومترا".
ولفت حاج علي إلى اتفاقية أضنة الموقعة بين البلدين عام ١٩٩٨، التي تقضي بأن يتم إبعاد الإرهابيين على طرفي الحدود مسافة 5 كيلومترات، كما تسمح لقوات كلا البلدين اختراق الحدود لمطاردة الإرهابيين لمسافة خمسة كيلومترات.
ويقول: "برأيي وبحسب طرح سابق للخارجية السورية يمكن تطوير اتفاقية أضنة بما يتناسب مع الوقت الحالي وطبيعة توزع الإرهابيين على طول الحدود بين البلدين، وهذا سيجري على طاولة التفاوض.
سياسة سورية غير انتقامية
وشدد عضو البرلمان السوري السابق والخبير السياسي حاج علي على أن "السياسة السورية بطبيعتها غير انتقامية".
وبين أن "ما تسعى إليه دمشق في النهاية هو استعادة السيادة على أراضيها وإعادة الأوضاع الأمنية إلى ما كانت عليه قبل عام ٢٠١١".
واختم قائلا "بحسب كل العوامل الحاصلة اليوم يمكن القول إن هناك جدية تركية هذه المرة بالتعاطي مع ملف التطبيع مع سوريا، وما نتمناه ألا تكون تصريحات أردوغان مناورة تركية جديدة للداخل التركي والخارج أيضا".