عيد تحرير طابا.. 30 عاما على استعادة مصر آخر شبر من سيناء
البعض يظن أن إسرائيل فقط من أرادت فرض سيطرتها على طابا، ولكن الدولة العثمانية سبقتها بعشرات السنين.
30 عاماً مضت على استرداد مصر آخر كيلومتر مربع كان مُحتلًا من أراضيها.. 7 سنوات بذلت فيها مصر قصارى جهدها، وضربت نموذجًا كان الأول من نوعه في استرداد الأرض دون قطرة دم واحدة، عبر طرق دبلوماسية سلمية خالصة، كان المُحكم الدولي طرفًا أساسيًا فيها.
19 مارس/آذار من عام 1989 هو التاريخ الذي رُفع فيه العلم المصري على أرض طابا بأيدي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، في مشهد لن يُمحى، حيث سُجِّل في التاريخ بالصوت والصورة.
وتبعد طابا نحو 240 كيلومتراً عن مدينة شرم الشيخ الواقعة جنوب شبه جزيرة سيناء، وتمثل مثلثًا قاعدته في الشرق على خليج العقبة بطول 800 متر، وضلع شمالي بطول ألف متر، وآخر جنوبي بطول 1090 مترًا، ويتلاقى الضلعان عند النقطة التي تحمل علامة 91، وفي الوقت ذاته تبعد طابا عن ميناء "إيلات" الإسرائيلي 7 كيلومترات، ويعدها الكيان المحتل بوابتها لسيناء التي طالما حلم باحتلالها وفرض سيطرته عليها كاملة.
- عودة الرحلات الجوية البولندية إلى منتجع طابا المصري بعد توقف 3 سنوات
- باالفيديو.. بطل ملحمة "إيلات" يروي لـ"بوابة العين" تفاصيل جديدة
حاولت إسرائيل الاستيلاء على طابا كثيرًا لتوسيع منفذها الوحيد على البحر الأحمر "إيلات"، وبالتالي السيطرة بشكل أو بآخر على هذا المسطح المائي المهم بنقاطه الاستراتيجية، سواء مضيقيّ باب المندب وتيران أو قناة السويس، فضلًا عن السيطرة على رأس خليج العقبة، وفي الوقت ذاته تُتاح لها الفرصة لأن تمارس ضغوطها على مصر ودول المنطقة متى شاءت.
احتلال تركي عثماني
يظن البعض أن إسرائيل فقط من أرادت فرض سيطرتها على طابا، ولكن الدولة العثمانية سبقتها بعشرات السنين.
فالأزمة الأولى ظهرت مطلع القرن الماضي، بين مصر وسلطة الاحتلال البريطاني من جانب والدولة العثمانية من جانب آخر في يناير/كانون الثاني 1906، بعد أن أرسلت تركيا قوة لاحتلال طابا مخالفة بذلك ما جاء بفرمان 1841 و1892 الخاصين بولاية مصر والحدود الدولية الشرقية لها، والممتدة من رفح شمالاً على ساحل البحر الأبيض المتوسط إلى رأس خليج العقبة جنوباً شاملة مناطق العقبة وطابا والمويلح.
ولتحافظ بريطانيا على مصالحها في مصر بعد أن تم تهديد أمن قناة السويس التي تطل منها على مستعمراتها في الهند وجنوب شرق آسيا، تدخلت سياسياً لمنع تكريس الأمر الواقع على الحدود، فتعقدت الأمور، وامتدت أزمة طابا إلى منطقة رفح في أقصى الشمال، حيث أرسلت الدولة العثمانية قوة عسكرية أخرى لاحتلال رفح وإزالة أعمدة الحدود الدولية بها.
وعندما فشلت الجهود السياسية رفعت بريطانيا إنذارًا نهائيًا إلى الباب العالي في تركيا، بأنها ستضطر للجوء إلى القوة المسلحة ما لم يتم إخلاء طابا ورفح وتراجع القوات التركية بهما إلى ما وراء الحدود، فرضخت السلطة العثمانية لهذه المطالب الشرعية آنذاك، وعينت لجنة مشتركة مع الجانب المصري والبريطاني لإعادة ترسيم الحدود إلى ما كانت عليه، فعادت طابا إلى داخل الحدود المصرية.
وبلغ عدد الأعمدة المقامة آنذاك على الحدود الدولية وحتى اليوم 91 عمودًا للحدود بدءًا من العمود رقم واحد عند ميناء رفح على تل الخرايب وحتى آخر عمود وهو رقم 91 على رأس طابا، وانتهى نهائيًا بناء هذه الأعمدة الإسمنتية المسلحة في 9 فبراير 1907، وهكذا عادت طابا مصرية مطلع القرن الـ20، وكانت الوثائق المتعلقة بمشكلة طابا الأولى خير سند قانوني دعم موقف المفاوض المصري في أزمة طابا الثانية في ثمانينيات القرن الـ20، في أعقاب انتصار أكتوبر المجيد.
احتلال إسرائيلي ومعركة السنوات الـ7
عادت مسألة الحدود الآمنة لتطرحها إسرائيل بعد حرب أكتوبر 73، إلى أن عقدت معاهدة السلام في مارس/آذار عام 1979، ونصّت في مادتها الأولى على أن تنسحب إسرائيل من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب، لكن إسرائيل قررت بعد توقيع المعاهدة توسيع الأقاليم التي تحيط بميناء إيلات، وأول خطواتها التي خطتها خلسة دون إبلاغ مصر أن شرعت في إقامة فندق سياحي في وادي طابا، ليبدأ خلاف الحدود الشهير، خاصة عند علامة الحدود رقم 91 بمنطقة طابا.
وفى أكتوبر عام 81، وعند تدقيق أعمدة الحدود الشرقية، اكتشفت اللجنة المصرية بعض المخالفات الإسرائيلية حول 13 علامة حدودية أخرى؛ أرادت ضمها إلى أراضيها، وأعلنت مصر آنذاك أنها لن تفرط في سنتيمتر واحد من أراضيها، لتبدأ معركة الاسترداد.
وفي مارس/آذار 1982 أعلنت مصر عن خلاف مع إسرائيل حول العلامات الحدودية الـ13، مؤكدة تمسكها بموقفها المدعوم بالوثائق الدولية والخرائط التي تثبت تبعية تلك المناطق للأراضي المصرية، وعقدت اجتماعات عدة رفيعة المستوى لبحث إيجاد حل للأزمة، وتعقدت الأمور بشكل أكبر بعد تعنت الإسرائيليين في إعادة طابا، فطالبت مصر باللجوء إلى التحكيم الدولي لحل النزاع كما تنص المادة الـ7 من معاهدة السلام بين البلدين.
وأعلنت إسرائيل في 13 يناير من عام 1986 موافقتها على اللجوء للتحكيم الذي تحددت شروطه وتم التوقيع عليها بفندق مينا هاوس في 12 سبتمبر1986، وشمل الاتفاق مهمة المحكمة في تحديد مواقع النقاط وعلامات الحدود محل الخلاف، واتفق الطرفان على اختيار المحكمين.
وقبل صدور الحكم رسخ لدى الهيئة انطباع حقيقي عن أوضاع نقاط الحدود بقوة الدفاع ووجهة النظر المصرية، وضعف حجة وجهة النظر الإسرائيلية.
وفي 29 سبتمبر/أيلول عام 1988، أصدرت هيئة التحكيم التي عُقدت في جنيف بالإجماع حكمها التاريخي لصالح مصر بمصرية طابا خالصة، وبعد صدور الحكم اختلقت إسرائيل أزمة جديدة في التنفيذ، حيث أعلنت أن مصر حصلت على حكم لمصلحتها، ولكن التنفيذ لن يتم إلا برضا إسرائيل، وبناءً على شروطها، ولكن الدولة المصرية رفضت كل العروض والمناورات الإسرائيلية، التي كان من بينها قبول الموقف المصري مع السماح بتأجير إسرائيل منطقة طابا لمدة 99 عاماً، وعلى الفور رفضت مصر الاقتراح مؤكدة الاستمرار في التحكيم لتعارض مبدأ التأجير مع سيادة مصر.
وتم حسم الموقف عن طريق اتفاق روما التنفيذي في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1988، بحضور الولايات المتحدة الأمريكية، حيث انتهى بحل المسائل المُعلقة والاتفاق على حلها نهائيًا من خلال 3 اتفاقيات: الأولى تختص بالنشاط السياحي بتعويض إسرائيل بمبلغ 37 مليون دولار، وبأسعار ذلك الوقت تدفعه مصر مقابل تسليمها المنشآت السياحية في فندق "سونستا طابا" والقرى السياحية، على غرار ما حدث في كل من: دهب ونويبع وشرم الشيخ من قبل.
بينما اختص الاتفاق الثاني بتحديد موعد الانسحاب الإسرائيلي النهائي من طاب، وتوصيل خط الحدود إلى شاطئ الخليج (النقطة 91) وتحدد 15 مارس/آذار 1989.
والاتفاق الـ3 تعلق بنظام مرور الإسرائيليين من وإلى طابا إلى جنوب سيناء، حيث اتفقت الأطراف على السماح للسياح الإسرائيليين بالدخول إلى طابا، وفي حال دخول السيارات يتعين أن يلصق على السيارة مُلصقًا خاصًا، كذلك يسمح بالدخول والخروج من طابا إلى إيلات في زيارات متعددة خلال 14 يومًا، وأن يحمل كل سائح جواز السفر الخاص به، وأن يقوم بملء بطاقة بيانات تختم بمعرفة السلطات المصرية في طابا، وتكون صالحة لمدة 14 يومًا.
وانتهت قضية طابا برفع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك العلم فوق أراضيها عام 1989، بعد معركة سياسية ودبلوماسية استمرت لأكثر من 7 سنوات.
aXA6IDMuMjEuNDYuNjgg
جزيرة ام اند امز