بينما ينشغل العالم بالضجيج، في أبوظبي ثمة رجل هادئ يخطط. لا يرفع صوته، ولا يبحث عن الأضواء، لكن أفعاله تتصدر المشهد.
هو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي، مستشار الأمن الوطني ورئيس مجلس إدارة مجموعة G42، الذي اختارته مجلة «تايم» الأمريكية ضمن أكثر 10 شخصيات تأثيرًا في الذكاء الاصطناعي لعام 2025، في اعتراف عالمي بدور عقل هادئ يقود الإمارات إلى قلب صناعة المستقبل.
من يتأمل مسيرته يكتشف عقلية مركّزة ترى المشهد بوضوح حين يلتبس على الآخرين، وتغامر بثقة حيث يخشى غيره خوض الطريق.
هكذا قاد G42 إلى أن تصبح لاعبًا عالميًا في الذكاء الاصطناعي عبر شراكات مع Microsoft و Cerebras، وإطلاق مشروع بقدرة 5 غيغاواط لبناء أكبر حرم للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة. هذه الخطوات لم تكن مجازفات، بل رؤى سبقت عصرها.
لكن مساهماته لا تتوقف عند التقنية. عبر صندوق ADQ الذي تتجاوز أصوله 180 مليار دولار، وُجّهت استثمارات استراتيجية في الغذاء والطاقة والصحة. في زمن تعطلت فيه سلاسل الإمداد بسبب الجائحة والحرب في أوكرانيا، كانت القرارات التي اتُّخذت بهدوء هي التي ضمنت استقرار الموارد الأساسية، وحوّلت التحديات إلى فرص لتعزيز استقلالية الدولة الاقتصادية.
وفي موازاة ذلك، جاء إطلاق صندوق MGX بحجم يقارب 50 مليار دولار لتمويل الرقائق والشركات الناشئة، خطوة رسّخت مكانة الإمارات كمنصة عالمية لتطوير البنية التحتية الرقمية.
وتتجاوز أهمية هذه المشاريع أرقامها المباشرة؛ فهي تصوغ واقعًا جديدًا للإمارات: نظام صحي يستفيد من قدرات الذكاء الاصطناعي في التشخيص والعلاج عن بُعد، منظومة تعليمية تتيح للطلاب الوصول إلى المعرفة بأدوات متقدمة، أمن أكثر قدرة على التنبؤ بالمخاطر والتعامل معها، وبيئة ابتكار تحتضن المواهب وتوسع إمكاناتها. ما كان يتخيله العالم قبل سنوات، يُصاغ اليوم كحقيقة على أرض الإمارات.
وعلى المستوى السياسي، يبرز الشيخ طحنون بن زايد بقدرته على مد يده أولًا لتسوية الملفات المعقدة. بالنسبة له، الشجاعة لا تقتصر على توقيع الصفقات، بل تشمل تهيئة الأجواء لتجاوز الخلافات وفتح الطريق أمام التفاهمات.
رؤيته تنسجم مع تطلعات أخيه، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، الذي جعل من الاستثمار في الإنسان والمعرفة ركيزة وطنية. هذا الانسجام هو ما يضع الإمارات على مسار يجعل الذكاء الاصطناعي رافدًا أساسيًا للناتج المحلي غير النفطي، بما قد يصل إلى 20% بحلول 2031، ويحوّل الدولة إلى مركز عالمي للتعليم والطب والخدمات اللوجستية.
هذا النهج يعكس إرث الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، الذي قال: «العمل هو أساس تقدم الشعوب، ومن لا يعمل لا مكان له بين الأمم». واليوم، يثبت الشيخ طحنون بن زايد أن الفعل أبلغ من القول، وأن الإمارات تُبنى بعقل يرى أبعد مما نرى، ونتائج تعيد صياغة المستقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة