من المؤكد أن عنوان هذا المقال الذي يُلمح بأن التكفير مقبول ومرحب به بين فئة من المسلمين، قد يصدم البعض
من المؤكد أن عنوان هذا المقال الذي يُلمح بأن التكفير مقبول ومرحب به بين فئة من المسلمين، قد يصدم البعض. ولا نتحدث هنا عن الجماعات التكفيرية المسلحة والعنيفة وغير العنيفة منها، ولكن المقصود تحديداً من دون مقدمات هو أنه في واقع الأمر التكفير كفكر متأصل وله جذور في عقول نسبة تعد كبيرة من سكان العالم العربي، وتتفاوت تلك النسب حسب الدولة وتركيبة المجتمع والتمدن في تلك المجتمعات، وبروز إشكالية عقلنة الواقع الإسلامي وتحريره من أساطير المتأخرين الذين تبنوا رؤى محلية لشيوخ كانوا جزءاً من العقد السياسي الاجتماعي في بيئاتهم وتحولوا بقدرة قادر إلى منقذي الإسلام من براثن الشرك، وأطلقوا عليهم مسميات تدل على أن هؤلاء الأشخاص خلّصوا الدين من الخرافات، وأرجعوه إلى الأصل على الرغم من أنهم فتنوا الناس بطرح جعل كتبهم وفكرهم مقدماً على سواه ومرجعاً مهماً في أمور الدين وارتباطه بشؤون الحياة بصورة عامة.
فيجب التحلي بالشجاعة هنا ومواجهة النجوم الدينيين وأصنافهم وفقهاء الصالونات «الكاجوال»، ونجوم الفضائيات إذا كانوا أبواق تسويق صماء لاحتكار الدين ومخاطبة جماهير المسلمين التي تتوق إلى قداسة كتب مؤلفة من أشخاص، ووضع أشخاص آخرين موضع البابوية الكهنوتية، وجعل مراكز دينية علمية توصف بأنها مؤسسات إشعاع ديني تنويري معتدل دون معايير لا لبس فيها وضوابط وأسس تم إعادة مضمونها. والمنطق الذي يقف خلفها، ويكون جلياً للكل بأن القداسة للدين وليس للعلماء وللفقهاء، ومن يطلق عليهم المجددين وكتبهم، فمن أعطانا الحق بمنح التفسيرات المتداولة للنصوص والأحكام المجتهد فيها- والمستنبطة بطريقة أو بأخرى- الخلود الأبدي والدين جزء من حياتنا اليومية، وليس أمراً منفصلاً فوق حياتنا.
ولنعلم بأن الدليل والسند ليس سوى استنتاج بشري محض، ولذلك يعاني الفكر الإسلامي من فقر معرفي لا نحسد عليه كمسلمين، فنأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ناهيك عن كثرة القواعد الفقهية، وإشغال العقل بالفروع التي لا تلحق مباشرة بالأصول، وتم تقسيم الأصول، مما نتج عنه فوضى عارمة وكم هائل من الفرق والجماعات والنزاعات التي يسيطر عليها العنف والإرهاب ورفض الآخر وتكفيره وإهدار دمه التزاماً بفهم خاطئ لتفسيرات النص الديني وضعها الفقهاء وشيوخ الدين «الجيفاريين» الثائرين على خروج أو ابتعاد مجتمعاتهم عن النقاء الديني، والذين درست مراجعهم كأساس في تطبيق الدين في دولهم، وانتشرت فيما بعد في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ومن يقرأ كتبهم بتجرد وموضوعية لا يستغرب لماذا نحن نعاني اليوم من التكفير، ويستهين العديد بيننا بوصف أخيه المسلم بالكفر لمخالفة ما ورد في توجيهات شيوخ ومراجع بعينها، وكونه يرفض أن يستقي فهمه للدين من مصادر حصرية فقط، ويطالب بحتمية إعادة النظر في منهجية الخطاب الديني بشكله الحالي.
ومن ناحية أخرى كيف يختلف الولاء للجماعة أو التنظيم عن الولاء لفكر رجل بعينه؟ ففي المحصلة النهائية هي جماعة وتنظيم أكبر حجماً، وقد يكون حجمه يعادل نسبة كبيرة من تعداد بعض الدول المغيب فيه الجمهور المبرمج على إشهار فزاعة التكفير والخروج عن الملة والدخول في الظلال لمن يتجرأ أن يقول لماذا لا نغادر هذا الخندق والمفاهيم الجامدة، وكما أن هناك فساداً مالياً وإدارياً وسياسياً وغيره، فيوجد هناك فساد ديني، فلا يعقل أن نمنع بعض الكتب، ومؤلفات بعض المشايخ لما فيه من مخالفات صريحة لسماحة الإسلام ومنع تلك الأفكار من الانتشار المرضي في المجتمع، وإن كان من المفترض أن يصاحب ذلك المنع برامج تعرية وإيضاح للخلل الكامن في تلك المراجع.. ولكن ما لا أستوعبه كيف نسمح بـأن تنتشر كتب وتدرس في مدارسنا لمشايخ تمتلئ كتبهم بالفكر التكفيري، وهو الأساس في منهجهم لكونه مقبولاً ومعمولاً به في دول إسلامية كبيرة، حيث إن التشدد وخطورته على المجتمعات المسلمة يدعونا إلى أهمية الوقوف على ماهية الخلفية العلمية والاجتماعية والفكرية والنفسية للفقيه أو الشيخ. وإذا نشأ ذلك الشيخ في بيئة تحقّر المرأة مثلاً أو تتسم بالعنصرية الشديدة، فمن غير المنطقي ألا تجد إرهاصات تلك العقلية في فكره ومنتجه، ومن سيقول لي الدين والخوف من الله والتقوى سأقول له: لن يكون أكثر تقوى وخوفاً من الله من سيدنا علي بن أبي طالب والصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، والصحابة أجمعين يعلمون حكم قتال المسلم لأخيه المسلم صراعاً على أحقية السلطة.
* نقلا عن صحيفة الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة