حكاية أودينا.. قصة نجاح ملهمة بطلها الطماطم
احتفت منظمة الأغذية والزراعة" الفاو" التابعة للأمم المتحدة بقصة نجاح ملهمة لسيدة تدعى أودينا ساتوروفا في أوزبكستان، بطلها الطماطم.. فما تفاصيل حكاية أودينا؟
القصة تبدأ من نهايتها، حيث تنضج حبَّات الطماطم الكبيرة والغنية بالنكهة في دفيئة السيدة أودينا ساتوروفا التي أقامتها في الباحة الخلفية لمنزلها الكائن في وادي فرغانا في أوزبكستان. أمّا الشكل المثالي لتلك الطماطم ولونها الزاهي وملمسها الناعم -علامات واضحة على جودتها- فثمرة أيام عديدة من العمل المكثّف في الدفيئة.
رحلة لكسب العيش
وقد اعتادت السيدة أودينا على هذا النوع من العمل الشاق، فقد عملت منذ أن كانت طفلة صغيرة في الدفيئات، حيث اعتنت بالشتلات وساعدت على قطاف العنب، واعتمدت أسرتها على الزراعة لكسب العيش.
ولكنَّ هذه المرأة المزارعة، التي تبلغ الآن من العمر 43 عامًا، تدرك أنَّ هناك تقنيات زراعية "ذكية"، تخفّف من أعباء العمل، وتُحدث زيادة ملحوظة في الإنتاجية والربحية. والحقائق غنية عن البيان. فاليوم، تُنتج أودينا نحو 400 كيلوغرام من الطماطم في الأسبوع الواحد خلال موسم القطاف، بينما كانت قبل ذلك بالكاد تُنتج 120 كيلوغرامًا. وبالإضافة إلى الكميَّة، تحسَّنت أيضًا جودة منتجها. فأصبحت الثمار على الدوام ناعمة الملمس وكبيرة الحجم وأغنى نكهة، مقارنة بما كانت عليه في السابق.
وتعلَّمت أودينا استخدام هذه التقنيات التحويلية من خلال مشروع "الزراعة الذكية من أجل جيل المستقبل"، وهو مشروع تُنفّذه منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (المنظمة).
دعم كوري جنوبي
وبدعم مالي من جمهوريّة كوريا تم إطلاق هذا المشروع في أوزبكستان وفييت نام بهدف اعتماد أساليب وأدوات زراعية جديدة تقلّل من استهلاك المياه وتخفّف من أعباء العمل وتزيد في الوقت ذاته الغلَّات وجودة المحاصيل والدخل.
وقد قدّم المشروع ابتكارات بسيطة في إدارة المياه ومكافحة الآفات وتحسين الدفيئات، مثل استخدام شبكات التظليل البلاستيكية، بدلًا من الأغطية الفخارية التقليدية، أعلى الدفيئات لحمايتها من فرط الحرارة. ولا يتميز الغشاء البلاستيكي الجديد فقط بكونه أكثر استدامة، وإنما أيضًا بقدرته على امتصاص الأشعة فوق البنفسجية، ومنع تكثّف البخار داخل الدفيئة.
ومن بين مجمل الأدوات التي قدمها المشروع، ترى أودينا أنَّ نظام الري بالتنقيط هو الأكثر فائدة وفعالية.
نظام ري ذكي
ويشمل نظام الري هذا آلية للتسميد تتيح لها إمداد المحاصيل بالمغذيات. وعلاوةً على ذلك، يقيس النظام درجتي الملوحة والحموضة في المياه، والأهم من ذلك كله، أنه ينظِّم استهلاك المياه ويدَّخر هذا المورد القيِّم.
ساعد مشروع منظمة الأغذية والزراعة المزارعين على تركيب خزان للمياه ونظام للري بالتنقيط يدّخر المياه، بالإضافة إلى الحد من الوقت والجهد اللذين يبذلهما المزارعون. وهو يُخفف أيضًا من انتشار الأمراض النباتية، بفضل تنظيم انتشارها بواسطة المياه تنظيمًا تلقائيًّا.
ولطالما كانت قضايا المياه من القضايا الفائقة الأهمية في المقاطعة الأوزبكية التي تقيم فيها أودينا، ولكونها تقع قريبًا جدًّا من الحدود مع قيرغيزستان، ظلَّت هذه المنطقة تعتمد بشدّة على الموارد المائية القادمة من هذا البلد المجاور. ولأنَّها تقع على ارتفاع 677 مترًا فوق سطح البحر على أراضٍ منحدرة وخالية من الأشجار، فإنَّ حفر الآبار لا يُعتبر خيارًا يعوّل عليه، حيث يستلزم ذلك حفرّا عميقًا وتكاليف باهظة.
وفي هذا السياق، اعتاد المزارعون الاعتماد على القنوات التي تسوق المياه إلى القرى من التلال. وكان على كل من المزارعين انتظار الدور في استخدام المياه لري أراضيهم.
أمَّا الآن فتُجمع المياه في خزان خاص، ثمَّ تُستخدم بحسب الضرورة بواسطة النظم التي تروي الدفيئات تلقائيًّا. ويحافظ الإمداد المنتظم بالمياه، بواسطة نظام الري بالتنقيط، على الرطوبة المطلوبة في التربة والدفيئة بأكملها. ويتّسم ذلك بالأهمية لأنه بسبب وفرة المياه، فإنَّ الرطوبة العالية تهيئ بيئةً مواتية للأمراض النباتية.
وتصف أودينا نظام الري بالتنقيط قائلةً: "إنَّه مريح جدًّا، ويوفر عليّ الوقت والجهد، والأهم من ذلك أنَّه يدّخر المياه".
وتضيف قائلة: "في السابق، لم أكن أعلم مدى أهمية الحفاظ على استقرار درجتي الحرارة والرطوبة داخل الدفيئة. ولم أكن أعلم كيف أمنع انتشار الأمراض النباتية المتنوعة، والتي كنا نخسر بسببها جزءًا كبيرًا من المحصول. ولقد تعلَّمت هذا وغيره من الأمور المفيدة خلال الدورات التدريبية التي نظمتها منظمة الأغذية والزراعة".
وبفضل هذه المهارات والممارسات، تمكَّنت أودينا من توسيع نشاطها التجاري في زراعة الطماطم ليتحول إلى مشروع صغير مزدهر يحقق لها ضعفي إلى ثلاثة أضعاف دخلها السابق.
نُهُج جديدة نحو النمو الأخضر
أصبح جيران أودينا والضيوف الذين يزورون مزرعتها يلاحظون فورًا التحسينات التي طرأت على الدفيئة، بما في ذلك الشبكات المضادة للحشرات التي تغطي كافة الفتحات وحصيرة تعقيم القدمين عند المدخل ومصايد الحشرات اللزجة، والتي ساهمت جميعها في تقليل استخدام مبيدات الآفات.
ويقول لوتشيانو روفيستي ، الخبير في الإدارة المتكاملة للآفات في منظمة الأغذية والزراعة: "إن منع دخول الآفات والأمراض إلى الدفيئة خير من التعامل معها لاحقا. وهذه ابتكارات تكنولوجية بسيطة ولكن مهمة، من شأنها أن تساعد كثيرًا على تقليل حالات الإصابة بالآفات، تمامًا مثلما يساعد اعتماد نظام الري بالتنقيط على تقليل حالات الإصابة بالأمراض النباتية".
وتعتبر الرقمنة من الجوانب المهمة الأخرى في إدارة الدفيئات. ويُجري المشروع اختبارات لتزويد الدفيئات بأجهزة استشعار وبرمجيات معلوماتية لقياس رطوبة التربة والإشعاعات الشمسية والرطوبة ودرجة حرارة الهواء. ثمَّ يتم عرض هذه البيانات على الأجهزة المحمولة للمزارعين، بما يسمح لهم بالتحكم عن بعد بالمناخ الموضعي داخل الدفيئات، وبالريِّ في الوقت المناسب.
بالنسبة إلى أسرة السيدة أودينا، فإنَّ الدخل الإضافي الذي تحققه الدفيئة المزدهرة في باحتها الخلفية هو محط الكثير من الترحيب. وحاليًّا ترغب السيدة أودينا، التي عملت طوال حياتها في المنزل، بأن تمنح بناتها الفرص التي يجلبها التعليم العالي. فهي تدَّخر المال الذي تجنيه لكي تدفع الرسوم الجامعية لبناتها. وتدرس إحدى بناتها لتصبح طبيبة، فيما تدرس الأخرى لتصبح مدرّسة، وتستعد الصغرى لدخول الجامعة.
والدفيئة التي تمتلكها أودينا هي واحدة من 40 دفيئة حدَّثتها منظمة الأغذية والزراعة في مناطق أنديجان ونامانجان، وفرغانا الأوزبكية. وعندما تصبح الزراعة "ذكية"، ويصبح الدخل مستداما، فإنَّ الثقة بالمستقبل تزداد. ويهدف المشروع هذا العام إلى زيادة عدد الدفيئات المحدَّثة، والتوسع أكثر في هذه الممارسات المستدامة.
aXA6IDE4LjIxNi4yNTAuMTQzIA== جزيرة ام اند امز