قناة بنما في مهب التغيرات المناخية.. هل تستفيد قناة السويس؟

في الأسابيع الأخيرة، اضطرت سفن الشحن إلى الانتظار أياماً وأسابيع لعبور قناة بنما بسبب الجفاف.

يؤدي الجفاف الشديد في بنما إلى خلق طوابير طويلة وتأخيرات في قناة بنما، مما يتسبب في تعطيل الشحن ويسلط الضوء بشكل أكبر على تأثير أزمة المناخ على التجارة العالمية.

فقد قامت هيئة قناة بنما (ACP) بتحديد عدد السفن التي تمر عبر القناة لعدة أشهر جافة بسبب ندرة المياه. كما تم فرض قيود على عمق السفن أثناء وجودها في القناة، مما يحد من كمية البضائع التي يمكنها حملها.

وقالت مجموعة دول أفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ في بيان لها إن الجفاف المستمر يشكل "تحديات غير مسبوقة" وليس له "أي سابقة تاريخية". فقد ظلت قناة بنما، وهي ممر مائي اصطناعي يربط بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ، طريقاً رئيسياً للتجارة الدولية لأكثر من 100 عام.

• لمواجهة تغير المناخ.. الإمارات تقود تمكين أفريقيا في الطاقة النظيفة
• بـ4.5 مليار دولار.. الإمارات تطلق مبادرة تاريخية للطاقة النظيفة في أفريقيا
  

واليوم، تربط القناة ما يقرب من 2000 ميناء في 170 دولة. وتعد أهم دول المنشأ والمقصد هي الولايات المتحدة والصين واليابان. وفي عام 2022، تم إكمال أكثر من 14000 عملية عبور عبر القناة بواسطة سفن تحمل أكثر من 291 مليون طن طويل من البضائع.

لكن في الأشهر الأخيرة، تباطأت حركة المرور عبر القناة بسبب الجفاف الذي طال أمده، مما أدى إلى انخفاض كمية المياه المتاحة المستخدمة لملء أقفال القناة، والتي تتطلب 101 ألف متر مكعب من المياه لملئها. لذا يتم سحب المياه من البحيرات القريبة.

ونتيجة لذلك، زادت أوقات انتظار وصول السفن إلى القناة من بضع ساعات إلى عدة أسابيع، وفقًا لـ"ستاندرد آند بورز جلوبال". وبحسب ما ورد، فرضت العديد من شركات الشحن الخاصة رسومًا إضافية على العملاء الذين ينقلون البضائع عبر القناة. وتسلط أزمة الجفاف في قناة بنما الضوء على التأثير المدمر المتزايد الذي تخلفه أزمة المناخ على سلاسل التوريد العالمية.

تأثير الجفاف على سلاسل التوريد

يشير تقرير التجارة العالمية لعام 2022 الصادر عن منظمة التجارة العالمية إلى أن "تغير المناخ يعيد تشكيل الآفاق الاقتصادية والتجارية للدول، ويشكل تهديدا كبيرا للنمو والازدهار في المستقبل". "إن ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع منسوب مياه البحر وزيادة تواتر الظواهر الجوية المتطرفة يؤدي إلى احتمال حدوث خسائر في الإنتاجية ونقص في الإنتاج وتدمير البنية التحتية للنقل وانقطاع الإمدادات".

وفي قناة بنما، تستعد السلطات لتأثيرات أزمة المناخ. وقد نفذت هيئة قناة بنما تدابير لتوفير المياه منذ بداية العام ووظفت متخصصين في سلاح المهندسين بالجيش الأمريكي لتطوير حلول طويلة المدى؛ حيث تتمتع أمريكا اللاتينية منذ فترة طويلة ببعض من أعلى مستويات نصيب الفرد من المياه على مستوى العالم. ومع تفاقم أزمة المناخ، يتوقع الخبراء تفاقم مشاكل الجفاف وندرة المياه. وبالفعل، يعيش ما يقرب من ربع سكان أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في مناطق تعاني من ندرة المياه، وفقاً للبنك الدولي.

كما تبذُل الجهود في جميع أنحاء العالم لجعل سلاسل التوريد أكثر مرونة في مواجهة تأثيرات تغير المناخ. فعلى سبيل المثال، يدعم التحالف العالمي لتسهيل التجارة -وهو تحالف أنشأه مركز المشاريع الدولية الخاصة وغرفة التجارة الدولية والمنتدى الاقتصادي العالمي- الجهود العالمية لتنفيذ اتفاقية تيسير التجارة التابعة لمنظمة التجارة العالمية.

في حين أن اتفاقية تسهيل التجارة لا تتناول بشكل صريح الإغاثة في حالات الكوارث، فإن بنودها -وخاصة تلك المتعلقة بالشفافية، والإدارة المنسقة للحدود، والاستراتيجيات القائمة على المخاطر، والتجهيز قبل الوصول والتعامل مع أولوية السلع القابلة للتلف - تحمل القدرة على المساهمة بشكل كبير في المساعدات المتعلقة بالمناخ. ويقول الخبراء إن الإغاثة في حالات الكوارث عندما توضع موضع التنفيذ بفعالية.

وقال فيليب إيسلر، ممثل التحالف: "يعد تيسير التجارة وتنفيذ اتفاق التجارة الحرة بمثابة قناة حيوية لتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ من خلال تبسيط العمليات وتحسين الشفافية ودعم الحركة الفعالة للسلع، مما يساهم في تحسين الاستجابة للكوارث والتعافي منها".

ففي مدغشقر، على سبيل المثال، دعم التحالف السلطات المحلية في صياغة إجراءات تشغيل موحدة جديدة (SOP) للتخليص وتنظيم سلع الإغاثة. وبعد فترة وجيزة، ساعدت إجراءات التشغيل الموحدة الجديدة في تسريع إيصال المساعدات الحيوية بعد أن ضرب إعصار باتسيراي الاستوائي مدغشقر في فبراير 2022، وفقاً للتحالف.

علاوة على ذلك، حذر التحالف في تقريره السنوي لعام 2022 من أن "الأحداث المناخية المتطرفة مثل الفيضانات والجفاف والأوبئة تصيب بعض أفقر دول العالم بشكل منتظم مثير للقلق، وتشير نماذج تغير المناخ إلى أن مثل هذه الأحداث ستصبح أكثر تواتراً".

كيف تستفيد قناة السويس؟

يُرجّح أن يكون لزيادة حدّة الجفاف الذي تشهده قناة بنما "تأثير إيجابي بنحو كبير" على نشاط قناة السويس.

لقد أجبر الجفاف الشديد الذي ضرب قناة بنما بعض سفن الحاويات على تخفيف حمولتها، فضلاً عن دفع رسوم أعلى، مع توقع زيادة أُخرى في تكلفة شحن البضائع عبر القناة هذا الصيف، في حال تفاقم الجفاف.

وأسفر ذلك عن تخفيف كبير لحمولات السفن، كما أدى ذلك إلى زيادة عدد ساعات الانتظار، فالقناة التي كانت قد وصلت في ذروتها إلى معدل عبور يومي 37 سفينة. تراجعت الآن إلى معدل 32 سفينة. مع معدل انتظار عبور يصل إلى 21 يوما.

زيادة مدة الانتظار، وكذلك خفض حمولات السفن سيؤديان إلى زيادة حتمية في رسوم العبور.

وعلى الجانب الآخر، تسجل قناة السويس متوسط عبور يومي يبلغ 72 سفينة، وذلك بفضل طبيعة القناة التي تشكل مسارا مفتوحا عكس قناة بنما التي تعتمد على البرابخ والأهوسة. وبحسب موقع الإلكتروني لقناة السويس، تبلغ مدة الانتظار للعبور من 12 إلى 16 ساعة، وتستحوذ قناة السويس على 12.5% من حجم التجارة العالمية.

وكان رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، قد قال على هامش مشاركته في منتدى قطر الاقتصادي في الدوحة في يونيو/حزيران 2023، أنه في حال زادت حدّة الجفاف في قناة بنما، فالسفن ذات العمق الكبير ستتجه لقناة السويس؛ "وهذا سيكون تأثيره إيجابياً بالتأكيد"، حسبما أورد موقع "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ".

وتعاني قناة بنما نقصاً في إمدادات المياه حتى قبل توسيعها في 2016، والذي سمح لسفن أكبر بكثير بالمرور فيها. وهي عادةً ما تطبّق بروتوكولاً لرسوم العبور وقيود الوزن مع اشتداد الجفاف. وكان هطول الأمطار أقل من 50% من المعدل الطبيعي من فبراير إلى أبريل بالقرب من القناة والبحيرات التي تغذّيها.

وتعتمد قناة بنما في توفير المياه فيها على بحيرة غاتون. وتعاني البحيرة من انخفاض منسوب المياه فيها بسبب موسم جفاف يضرب بنما. فعلى مدار السنوات منذ 2015 وحتى 2023، كان أعلى معدل للمياه في البحيرة 88 قدما. بينما يتجه المنسوب حاليا في البجيرة إلى حدود 78 قدما.

كل العوامل والمعطيات السابقة تشير إلى أن ما نسبته 1% من حجم التجارة العالمية، سيهجر قناة بنما، متجها إلى مصر، الأمر الذي يشير إلى احتمالية تحقيق القناة المصرية قفزة في الإيرادات بحيث تتجاوز 10 مليارات دولار، مقارنة بإيراداتها عن العام المالي 2022 -2023 الذي حققت فيه 9.4 مليار دولار. وهو أيضا الأعلى تاريخيا.