"الجزيرة القطرية" تستهتر بصرخات زوجة شهيد فلسطيني
"تولين" لم ترَ والدها.. وأمها تتشبث بالصورة الباسمة
تلين طفلة فلسطينية لم ترَ والدها الشهيد وزوجته تصرخ كي تكف قناة الجزيرة القطرية عن عرض مشاهد لحظة استشهاده
تولين بدأت تفك لغز غياب أبيها، وأمها تتجرع الألم كلما عاد مشهد استشهاد زوجها الصحفي خالد حمد، ليعرض على شاشات كبيرة، أو يبث عبر فضائيات عديدة، ورغم محاولات الأم تسكين أوجاعها بالفقد، وإبعاد ابنتها الوحيدة عن مسرح الألم، تفقد قدرتها على إقناع الآخرين، الكف عن ترويج فيلم لحظة استشهاد زوجها، احتراما لمشاعرها أو تقديرا للطفولة التي من الممكن أن تقع في صدمة تؤثر عليها مدى الحياة، فالمنفعة والعائد المالي لا شيء أمام إحياء الأمل في النفس البشرية.
بداية تجديد الألم
استشهد الصحفي خالد حمد في عدوان إسرائيل على قطاع غزة عام 2014 م، بينما كان يصور عمل المسعفين في المدينة التي تعيش تحت القصف منذ أيام، وأثناء تصويره سقطت قذيفة قريبة منه، والتقطت عدسته لحظة استشهاده، وما بعده بدقائق، ليتحول هذا المشهد إلى مادة إعلامية ثمينة اشترتها قناة الجزيرة القطرية، لتستثمر هذه اللحظة الإنسانية الحرجة، وتمرر غايتها بجني الأرباح، بعد استعادة ثمن الفيلم القصير، فلم تخلو شاشتها من بث المادة الإعلامية ومشهد الشهيد خالد حمد، وهو يصرخ أمام كاميرته، وساعده يغطى بالدماء، المشهد الذي وصفته هالة شحادة زوجة الشهيد لـ"العين الإخبارية": "بالمؤلم والموقظ لكل وجع في نفسها".
هذا المشهد الذي تسبب لزوجة الشهيد في الكثير من الألم والمعاناة، حاولت منع نشره عبر جميع القنوات المعروفة، والمراسلات الخاصة، ليس من أجلها هي، بل من أجل تولين ابنة الشهيد الذي لم تره إلا في الصورة، ولا تزال تنتظر عودته من غياب، فكانت السيدة هالة حريصة جدا ألا تتعرف ابنتها على والدها وهو يحتضر، ودمه ينزف على ساعده، ولا أن تجرح روح طفلتها بمشاهدة والدها وهو يصرخ أمام الموت، ويستغيث ليدخل بعدها عالم الغيب، في لحظة قاسية ومؤلمة لا تتحملها النفس القوية، فما البال إذا كان الحمل سيسقط على نفس طفلة لا تزال تنتظر الغائب بضمة ورد، وقبلات مخزونة وصور جميلة ترسمها لوالدها في كراس طفولتها.
تقول هالة شحادة لـ"العين الإخبارية": إن عرض الفيلم من وقت إلى آخر في هذه الطريقة المبتذلة، هو أمر لا يراعي مشاعري كزوجة فقدت زوجها، ولا يأخذ اعتبارا ولو بالحد الأدنى لطفلتي تلين التي بدأت تبحث عبر شبكة الإنترنت عن صور والدها، وتسأل عن سبب غيابه، لا أريد أن تصدم بمشاهدة والدها وهو يحتضر، ويدفع الموت عنه بصوت ملأه الحزن، مشهد يسبب الصدمة، ويحيي الأوجاع، وكلما حاولت أن أُنسِّي ابنتي جرحها الذي شق أرواحنا قبل أن ترى نور الدنيا، يأتي مخرج الفيلم ليدخلنا من جديد في بحر من الأسى والمعاناة".
تضيف زوجة الشهيد: "اليوم أدافع عن حق ابنتي في حياة بعيدة عن ألم الفقد، والذين يحاولون ابتزازنا من خلال بث هذا الفيلم المؤلم، يتحملون مسؤولية أخلاقية، وعليهم أن يعرفوا أنهم يغتالون فرحا لا يزال برعما في صدر طفلة لم تتجاوز الثالثة من عمرها، لن أسمح لهم أن يبقونا في دائرة الألم إلى ما لا نهاية، وما أطلبه أن تكف الجزيرة القطرية عن عرض الفيلم، وعلى المخرج أن يبتعد عن أوجاعنا، واذا أراد أن يثبت بشاعة الاحتلال وجرائمه، له ذلك ولكن بعيدا عن إدخال ابنتي في صدمة نفسية، فهي كل ما تبقى لي في هذه الدنيا بعد أبيها الشهيد خالد".
وتابعت زوجة الشهيد قبل أيام من إعادة عرض الفيلم في أحد المراكز الثقافية بمدينة غزة، هذا الشهر وفي الذكرى الرابعة لاستشهاد خالد، موجهة الحديث لقناة الجزيرة القطرية: "ألهذا الحد تستهترون بمشاعري؟ ألا تكفي تلك السنوات التي نهش خلالها هذا المقطع جزءا من روحي؟ ألا يعي أحدكم أن طفلة خالد بدأت تكبر؟ ألم يفكر أحدكم ماذا لو وجدت تولين هذا المقطع صدفة؟ كيف ستفهم طفلة صغيرة هذا المشهد؟ كيف يستوعب عقلها فكرة الموت ومواجهته من مسافة صفر؟ هل ستكسرون تلك الصورة التي ذاب قلبي وأنا أرسمها لصغيرتي حول والدها الذي يبتسم لها من السماء دوما كما هي تعتقد وكما انا أتمنى؟".
من جهته، قال نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين الدكتور تحسين الأسطل لـ"العين الإخبارية" حول عرض الفيلم رغم اعتراض زوجة الشهيد: "هذا التصرف غير لائق ويجب على منتج الفيلم وناشره وعلى قناة الجزيرة القطرية صاحبة الفيلم أن تمتنع عن عرضه، لما يسببه من أذى لأهل الشهيد، ويجدد فيهم الأحزان، ويعرض طفلته للصدمة النفسية، فمن باب أولى الكف عن عرض الفيلم، ومثل هذه المادة الإعلامية ليس مكانها الجمهور العام ولكن قاعات المحاكم الدولية، لإدانة الاحتلال على جرائم قتل المدنيين من صحفيين ومسعفين، ولو أراد المنتج أو المخرج خيرا للشهيد وأهله لجعل من المادة التي معه مستندا قويا ضد الاحتلال، وليس عرضا مكررا غايته تجديد الألم وإيذاء ذوي الشهيد، لذا نطالب بسحب الفيلم من موقع يوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي، وعدم عرضه مرة ثانية من قبل الجزيرة أو غيرها".
وتقول زوجة الشهيد لـ"العين الإخبارية": "الإنسان أعظم من أي مال، وقيمة الإنسان في ترميم جدار الروح فيه ليواجه الحياة رغم كل الجراح، اتركوا لي ولابنتي فرصة أن نعيش على ابتسامة خالد في صوره الخالدة، ولا تكسروا قلبين ينبضان من أجل أمل قادم، ولتكن الصورة الأخيرة للفرح والحياة وليس للموت والانكسار".
aXA6IDE4LjIyMS42OC4xOTYg
جزيرة ام اند امز