ذاكرة الحرب في قرية أفغانية.. ركام ينشد الحياة

عندما عاد الأفغاني محمد أكرم شريفي إلى قريته التي أجبر على الهرب منها منذ عام، كان محطما تماما مثل المسجد والمدرسة والمتاجر ومنزله.
صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نقلت عن شريفي قوله: "أطفالي وأحفادي.. كان هناك 22 شخصا يعيشون هنا، والآن تحول كل شيء إلى ركام. جيوبي فارغة. ماذا سنفعل؟".
ومن المستحيل تحديد حجم الذخيرة التي تم تبادلتها الحكومة الأفغانية وحركة طالبان حينها في قتالهما على قرية "أرزو" التي تعتبر نقطة دخول استراتيجية إلى مدينة غزني، في الحرب الطويلة بأفغانستان.
ويمكن رؤية الثقوب التي خلفها الرصاص والهياكل المجوفة عند كل منعطف، فالدمار موجود في كل مكان.
- فنون الأفغان تتداعى مع سيطرة طالبان.. دفن وهروب
- 17 قتيلا لطالبان و4 من داعش باشتباكات جنوب أفغانستان
وغادر معظم سكان أرزو قبل بدء القتال، لكن طبقا لحجي شهدالله وقرويون آخرين، قتل 40 مدنيا وأصيب ما لا يقل عن 60 في تبادل إطلاق النار والانفجارات على مدار الـ15 شهرا الأخيرة، وكان من بين القتلى اثنان من أبنائه.
ومع انتصار طالبان، فإن ما سيحدث لأهل أرزو غير واضح، وقد تم تجميد أموال المساعدات الدولية إلى أفغانستان، ولم تثبت قدرة الحكومة الجديدة على تقديم الخدمات العامة – ناهيك عن بناء قرى مثل أرزو التي دمرت في القتال، فيما يقول السكان إن العثور على الطعام بدأ يزداد صعوبة.
وعندما أحرزت طالبان تقدمها السريع عبر البلاد خلال الصيف، تم تسليم عدة قرى ومدن بدون قتال.
لكن أصبحت المناطق الأخرى نقاط توتر، من بينهم أرزو، القرية التي تقع على بعد ستة أميال جنوب غرب مدينة غزني.
ومع هدوء القتال الآن إلى حد كبير، أصبح من الممكن الوصول إلى مناطق من البلاد التي كان يصعب الوصول إليها في السابق، وبزيارة أماكن مثل أرزو التي كان يعيش فيها أكثر من 10 آلاف شخص، يمكن الحصول على لمحة عن المعارك التي انتهت مؤخرا.
ويتذكر شريفي: "كانت هناك قاعدة عسكرية تم الاستيلاء عليها منذ بضعة أعوام، أعادوا بناءها قرب منزلي. قاتلت طالبان من منزلي وحفروا أنفاقا إلى المنازل الأخرى حتى يتمكنون من الحركة دون رصدهم."
وتقع قرية أرزو على طريق رئيسي يربط محافظات غزني وبكتيكا، وأوضح فاضل كريم، مدير المدرسة المحلية للبنين فيها، أنها كانت شريان حياة للمقاطعات الجنوبية الشرقية المحاصرة، وأرادت الحكومة الأفغانية إبقائها مفتوحة بأي ثمن، وقد وضع ذلك القرية في مرمى طالبان.
ودفعت مدرسة كريم تحديدا ثمنا باهظا خلال الأيام التي سبقت سقوط غزني في 12 أغسطس/آب الماضي.
وقال كريم: "بنوا قواعد عسكرية على طول الطريق، معظمها على أراض خاصة، وتم بناء قاعدة أمام جدران المدرسة."
وخلال زيارة مؤخرًا، بحسب "نيويورك تايمز"، يمكن رؤية العمال يعملون على بناء إحدى تلك الجدران.
وقال أحد الرجال إن طالبان تمركزت داخل المبنى، وحفرت نفقًا يؤدي إلى قاعدة الجيش بالجبهة الأمامية، واستخدم مقاتلو الحركة هذا التكتيك في كثير من الأحيان لمهاجمة بؤر قوات الأمن الأفغانية.
ووفق كريم، فإنه عند بدء تدهور الوضع الأمني في أرزو، قررت وزارة التعليم نقل الصفوف إلى قرية أقرب للمدينة.
وأضاف: "دخلت طالبان المدرسة وبدأت القتال من هنا، ونتيجة لذلك، تدمرت المدرسة بالكامل. أسقطت قنبلة من الهواء في بداية أغسطس (آب الماضي) وضربت أحد فصولنا الدراسية".
وعقب إعلان حكومة طالبان أنه سيتم إعادة فتح المدارس، عادت الفصول الدراسية للمبنى المدمر، وبدأ الطلاب في العودة، لكن كريم يقول إنه "لم يعد جميع طلابنا الـ1100 بعد؛ لأن بعض العائلات لازالت نازحة. لم يعد الجميع."
في الأثناء، أعيد فتح مدارس الفتيات أيضًا، لكن حتى الصف الدراسي السادس فقط.