المفروض أن تكون السطور التالية عن قضية اقتصادية أو توابع الأزمات الاقتصادية المتلاطمة، التي يئن ملايين البشر تحت وطأتها لحظيا.
لكن اليوم هو أحد تلك الأيام، التي تركت مزيجًا من الألم والذكريات السعيدة، التي نستدعيها سنويا لإحياء ذكرى حبيب رحل عن عالمنا بلا وداع.
منذ أربع سنوات بالتمام والكمال، وكان يوم جمعة في العمل، تصلني تلك الرسالة المؤلمة برحيل "حمايَ الحاج عبد الرحمن"، أو عمي كما كنت أحب أن أناديه.. هو الذي كان يضيف البسمة إلى لحظات كانت أشد قسوة من تلك، التي نمر بها حاليا وسط كل تلك الأحداث، لكنه ببساطة كان يعلمنا درسًا: ابحث عن السعادة ولو للحظة.. فربما لن تعود!
لن أطيل عليكم، لأنني لا أجيد فنون الوداع، بل أحب الذكريات التي تركها لي مَن رحلوا عني، سواء أمي أو أبي أو إخوتي أو أبناء إخوتي أو أصدقائي، فأحيانا تجد أن السلوى في الذكريات السعيدة أفضل من الحزن.. البحث عن السعادة في رحم الأحزان.. هذا ما تعلمته من "عمي عبد الرحمن".
اسمحوا لي أن أترك ما تبقى من هذه السطور لابني معاذ، فهو من دفعني بما كتبه لأن أكتب، محاولا توصيل رسالة إلى كل من يشعر بالحزن ويحتاج إلى لحظة سعادة يمكن أن تمر به دون أن يستمتع بها، وهذه هي الرسالة من صديق في ذكرى وداع صديق..
يقول ابني لصديقه: "إلى صديق الليالي الرائعة.. الذي ذهب.. وكنت أظن أنه ذهب وحده.. لكن من عدة أيام اكتشفت أنه أخذ الليالي الرائعة معه... كي أكون صادقا فقد أكون نسيتك في دعائي لفترة ما... لماذا؟.... لأنني مقصّر في حبي لك يا صديقي... ولكن ذكرياتي معك قادرة على أن تجعلني لا أنسى أبدًا ذلك المنشور الثانوي الذي يجعل البشر -وهم في معركة الحياة- يتذكرونك.. ويتذكرون كم أنت رائع...
في إحدى الليالي الباردة في بلدة صغيرة تمتلئ بالأراضي الزراعية كان هناك طفل يريد السهر، بينما كل من في البيت نائمون، فيأتي له منقذه الرائع ويخبره بأنه سيسهر معه.. بل ويخبره أنه سيذهب لعمل كوبين من الشاي (ويتساءلون لماذا أعشق هذا المشروب!).... سيقوم بعمل كوبين من الشاي رغم كل الأمراض التي تجعل رجله تشبه السمكة التي تم شقها من المنتصف... (كل ذلك تفاصيل بسيطة ولكنكم لا تعرفون قيمة تلك التفاصيل عند طفل صغير)... ويأتي بالشاي ثم يفتح التلفاز علة قناة (الحلبة) وأبدأ أنا كالعادة أشجع المصارع المفضل لي، جون سينا.. وأسأله كعادتي: مَن ستشجع فيخبرني بأنه سيشجع اللعبة الحلوة.... ونظل نشاهد التلفاز أنا وصديقي حتى ينام كلانا في سلام.
ببساطة، هذا هو صديقي الرائع وتلك ليلة من ليالينا الرائعة، التي انتهت بمجرد رحيله..".
إن زراعة بعض اللحظات السعيدة والصادقة في أبنائكم حصادها مضمون، ولكن يمكن لذلك الحصاد أن يكون بعد رحيل المُزارِع.. وسيكون عطاؤه بلا نهايهة.. لذلك أنا أكتب لك الآن بعد رحيلك يا عزيزي".
رسالتي الأخيرة: "لا تنسوا صديقي وأصدقاءكم في الدعاء، إنهم يستحقون الذكرى.. فشكرًا لهم"..
أرجو أن تكون رسالة البحث عن السعادة وصلت من مقتنِص السعادة في أشد اللحظات ضيقًا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة