سيناريوهات علاقات باريس والجزائر.. تبون يرفض التهدئة
تصريحات مثيرة ونارية جديدة أطلقها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عن فرنسا ورئيسها مرتبطة بالأزمة الأخيرة بين البلدين.
وفي مقابلة مع صحيفة "دير شبيجل" الألمانية وصف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون علاقات بلاده مع باريس بـ"المسمومة"، وأبدى استياءه واستغرابه من التصريحات الأخيرة لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون التي زعم فيها بأن "الجزائر لم تكن أمة قبل الاحتلال الفرنسي" أي قبل سنة 1830.
- بين تمجيد الاستعمار وتجريمه.. الجزائر وفرنسا على فوهة بركان الذاكرة
- مقابلة "نارية" للرئيس الجزائري.. مرتزقة ليبيا وخيبة الغنوشي وكذبة فرنسا
ورغم وصول العلاقات الجزائرية-الفرنسية مرحلة من التصعيد والتوتر غير المسبوقين، إلا أن خبيرا جزائرياً توقع "انفراجا للأزمة" حتى في حال فوز ماكرون بولاية رئاسية ثانية.
ولفت إلى احتمال اعتذار الرئيس الفرنسي عن التصريحات التي أثارت استياء الجزائر، وتوقع في المقابل "حسابات مصالح جديدة" مع جهر الجزائر بتوجهها نحو قوى اقتصادية أخرى بينها المجاورة لفرنسا مثل إيطاليا وإسبانيا وهو ما قد يدفع باريس إلى إعادة النظر في ملفاتها الشائكة مع الجزائر، بحسب الخبير الجزائري.
"كراهية قديمة"
الصحيفة الألمانية ركزت في أسئلتها على حقيقة أبعاد الأزمة الأخيرة بين الجزائر وفرنسا والتي وصلت حد استدعاء السفير الجزائري وغلق المجال الجوي أمام الطيران العسكري الفرنسي.
تبون أعطى تبريرات لقرارات الجزائر التصعيدية ضد باريس، موجها كلامه لنظيره الفرنسي بالقول: "أنت لا تجرح فقط تاريخ شعب ولا تهين الجزائريين، ما خرج إلى النور هو الكراهية القديمة للسادة الاستعماريين".
وتابع قائلا: "لكنني أعرف أن ماكرون أبعد ما يكون عن التفكير بهذه الطريقة، لماذا قال ذلك؟ أعتقد أن ذلك حدث لأسباب استراتيجية انتخابية، إنه نفس الخطاب الذي يردده الصحفي اليميني المتطرف إيريك زمور (مرشح محتمل للانتخابات الفرنسية) منذ فترة طويلة: إن الجزائر لم تكن أمة، وحدها فرنسا جعلت البلاد أمة، وبهذا التصريح، انحاز ماكرون إلى أولئك الذين يبررون الاستعمار".
كما أبدى الرئيس الجزائري "عدم ندمه" لاتفاقه السابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على إعادة تقييم العلاقات التاريخية بين البلدين من خلال مفاوضات ملف الذاكرة، واتهم ماكرون بـ"إعادة إحياء نزاع قديم بشكل مجاني"، واصفاً تصريحاته الأخيرة بـ"الكلام الخطر للغاية".
الرئيس الجزائري حسم أيضا موقف بلاده من تداعيات تصريحات ماكرون، عندما أبدى رفضه اتخاذ خطوات تهدئة مع باريس.
وأوضح تبون ذلك بالقول: "لن أكون أنا من يخطو الخطوة الأولى وإلا سأخسر كل الجزائريين، الأمر لا يتعلق بي، بل بمشكلة وطنية، لا يوجد جزائري يقبل أن أتصل بأولئك الذين أساءوا إلينا".
الاعتراف الكامل
الرئيس عبدالمجيد تبون عاد أيضا في المقابلة مع الصحيفة الألمانية إلى مسألة مطالب الجزائر المتعلقة بملف الذاكرة، وشدد على أن مطالبها تتعدى الاعتذار إلى "الاعتراف الكامل وغير المشروط بجرائم فرنسا الاستعمارية من 1830 إلى 1962" وهي فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر.
وأوضح تبون أن بلاده "لا يحتاج إلى اعتذارات من ماكرون لشيء حدث في 1830 أو 1840، لكننا نريد اعترافاً كاملا وغير مشروط بالجرائم التي ارتكبها الفرنسيون، وقد فعل ماكرون ذلك بالفعل، صرّح علناً عام 2017 أن الاستعمار جريمة ضد الإنسانية".
وتابع قائلا: "كما تعلمون، دمر الألمان قرية بأكملها في (أورادور سور جلان) عام 1944، وحتى يومنا هذ، يتم إحياء ذكرى هذه المذبحة، ويتم الاحتفال بها عن حق، لكن في الجزائر كان هناك العشرات من (أورادور سور غلان)، أخذ الفرنسيون سكان العديد من القرى إلى الكهوف، وأضافوا الخشب وأضرموا النار فيها، ومات الناس مختنقين بصورة بائسة".
انتهاء التعاون
عبدالمجيد تبون كان أكثر صراحة وابتعد عن الخطاب الدبلوماسي المعتاد بين الجزائر وفرنسا، عندما أعلن "القطيعة مع فرنسا ماكرون"، وأبدى رفضاً قاطعاً للتراجع عن قرار حظر المجال الجوي الجزائري أمام الطيران العسكري الفرنسي.
وفيما يتعلق باحتمال انفراج الأزمة بين البلدين في المنظور القريب، قال الرئيس الجزائري للصحيفة الألمانية: "لا، إذا أراد الفرنسيون الذهاب إلى مالي أو النيجر الآن، عليهم أن يطيروا 9 ساعات الآن بدلا من 4 ساعات".
واستثنى من ذلك الرحلات المتعلقة بالإغاثة، وأوضح ذلك بالقول: ومع ذلك، سنقوم بعمل استثناء لهذا القرار في حال إنقاذ المصابين".
وحسم تبون مصير علاقات الجزائر مع فرنسا في ظل حكم الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، ونبه إلى ذلك قائلا: "ولكن فيما يتعلق بكل شيء آخر، لم يعد علينا التعاون مع بعضنا البعض، ربما انتهى هذا الآن، لقد انتهك ماكرون كرامة الجزائريين".
طلاق صريح
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية والمهتم بالعلاقات مع فرنسا الدكتور حسين قادري قدم لـ"العين الإخبارية" قراءة لتصريحات الرئيس الجزائري وتوقعاته لمستقبل العلاقات مع فرنسا وفق سيناريوهات محددة، مستبعدا في السياق أن يكون فوز ماكرون بولاية رئاسية ثانية "عائقاً أمام إصلاح العلاقات" بين البلدين.
وأوضح أنه على صعيد العلاقات مع فرنسا "أعتقد أن الجزائر انتظرت توضيحاً أو اعتذارا من الرئيس الفرنسي على تصريحاته المسيئة ويبدو أن تفنيدها لم يحدث وهو ما يؤكد اعترافه بها، وعلينا أن نأخذ مجموعة من العناصر".
وأشار إليها بالقول: "أولاً، الرئيس الفرنسي استولت عليه مجموعة من اللوبيات والتيار الذي يميل إلى كسب أصوات مجموعة من المعادين للجزائر، وثانياً، ماكرون يتحرك وفق حسابات الانتخابات الرئاسية، وهناك معلومات تحدثت عن رفض ماكرون وساطة مع الجزائر، ما يعني أنه مقتنع بما قاله وبهذا المنطق فإن الجزائر رفعت من سقف مطالبها".
واستطرد قائلا: "الجزائر تتحدث اليوم عن الاعتراف غير المشروط والاعتذار والتعويض عن الجرائم الاستعمارية، وهذه مطالب تعجيزية للرئيس الفرنسي، وليس للأخير مبرر للوم الجزائر التي تتوجه اليوم نحو إيطاليا وبقوة نحو ألمانيا وإسبانيا وروسيا والصين، رسالة الجزائر أن باريس من تتحمل المسؤولية ولا توجد هناك نية فرنسية لإصلاح العلاقات".
واعتبر المحلل السياسي بأن قراءة زيارة الرئيس الإيطالي للجزائر تندرج في إطار التوجه الجزائري الجديد، وأشار إلى تصريح الرئيس الجزائري الذي تحدث فيه على أنه "في مرحلة العشرية السوداء (فترة تكالب الإرهاب تسعينيات القرن الماضي) لم نجد إلا إيطاليا بجانبنا"، وفسر ذلك على أنها رسالة مشفرة لفرنسا باعتبارها حليفاً للجزائر وتربطهما مصالح مشتركة.
ويرى الدكتور حسين قادري بأن تصريح تبون هو "تخل صريح على الدولة الفرنسية فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي والأمني والسياسي وغيره".
وهنا اعتبر بأن ذلك يفتح عدة احتمالات أمام العلاقات مع باريس، وأوضح أنه "في حال فوز الرئيس الفرنسي الحالي فإنه لن يكون تحت ضغط اللوبيات الانتخابية كما هو اليوم، وأعتقد في حال فوزه فإنه سيكون له استعداد للاعتذار والاعتراف بالجرائم الفرنسية في الجزائر".
وأكد أن "الظرف الحالي لا يسمح لا للجزائر ولا لماكرون للدخول في علاقة خاصة ومرحلة من التوتر لشهور عديدة، وهي مرحلة يمكن تجاوزها وبالتالي لا توقع تأزم العلاقات أكثر، لكن أتوقع أن ترفع الجزائر من سقف مطالبها حتى توضح نظرتها بأنها دولة مستقلة ولا تحتاج لفرنسا، كما أن ماكرون ليس بحاجة للجزائر خلال هذه الفترة لأنه بحاجة أكثر للوعاء الانتخابي الفرنسي".
وختم الخبير الجزائري كلامه بالقول: "في حال فوز إيمانويل ماكرون بولاية رئاسية ثانية أتوقع حدوث تقارب كبير مع الجزائر وخطاب سياسي مختلف ونوايا اقتصادية مختلفة، وأتوقع اعترافه بجرائم بلاده الاستعمارية في الجزائر".
aXA6IDMuMTQyLjUzLjE1MSA=
جزيرة ام اند امز