بين تمجيد الاستعمار وتجريمه.. الجزائر وفرنسا على فوهة بركان الذاكرة
بين تمجيد الاستعمار وتجريمه، تقبع العلاقات الجزائرية – الفرنسية بشكل غير مسبوق على فوهة بركان ملف الذاكرة.
بركان يبدو خامدا ومتحكماً فيه ظاهرياً – بحسب المراقبين – لكن تصاعد حدة التوتر بين الجزائر وباريس منذ بداية العام الحالي قد يضع تلك العلاقات المعقدة أصلا على عدة احتمالات وفق ما أكده خبيران جزائريان لـ"العين الإخبارية".
- ذكرى الثورة الجزائرية.. استشعار لخطر "فراغ القيم" بين الأجيال
- فرنسا تطلب "الصفح" من "حرَكيي الجزائر" وتعدهم بالتعويض
ولفت الخبيران إلى أن "الخطاب الرسمي" الجديد بالجزائر يوحي بنظرة جزائرية رسمية "متجددة ومتشددة" لملف الذاكرة مع مستعمِر الأمس مبنية على "البراغماتية التاريخية" التي لا تقبل التنازل.
رغم تأكيد أحدهما على أن الموقف الجزائري يبقى مصطدماً بـ"حائط الإرادة السياسية" الذي قال إنه "يمنع الجزائر من إخراج كافة أوراق ضغطها" على باريس لإجبارها على الاعتذار.
فيما يشير الخبير الثاني إلى أن كلتا العاصمتين تدرك جيدا بأن ملف الذاكرة يبقى "شبيها بالنار" التي قد تُدفئ علاقاتهما أو قد تؤدي إلى "احتراقها" في حال بروز خطوات تصعيدية جديدة بين الجزائر وباريس.
تجريم الاستعمار
ومع احتفال الجزائر، الاثنين الماضي، بالذكرى الـ67 لاندلاع الثورة التحريرية ضد الاحتلال الفرنسي (1954 – 1962) تصاعدت الدعوات في الجزائر لما أسموه "إعادة الاعتبار لشهداء الثورة ولاستقلال الجزائر" عبر خطوات فعلية تتجاوز التصريحات، والاستثمار في "زخم التوتر" الحاصل بين البلدين.
ومن قبة البرلمان الجزائري، احتدم النقاش بين الكتل البرلمانية الجزائرية حول إعادة بعث مشروع "قانون تجريم الاستعمار"، بين جهة ترى أن الوقت مناسب لتمريره و"رد الصاع" لفرنسا على قانون "تمجيد الاستعمار" الصادر في 2005.
فيما شددت كتل نيابية في البرلمان على أن إخراج مشروع القانون يحتاج إلى "إجماع وطني" يبدأ من خارج أسوار الهيئة التشريعية، وربما قد يحتاج ذلك إلى "ضوء أخضر" من "أعلى سلطات البلاد" بحسب قراءات متابعين.
وتمر العلاقات بين الجزائر وباريس بأسوأ مراحلها - وفق المراقبين في البلدين – خصوصاً عقب التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي عدتها الجزائر "مسيئة" والتي طعن فيها في تاريخ الجزائر.
وردت الجزائر على ذلك بسحب سفيرها من باريس للتشاور ومنع مرور طيرانها الحربي إلى مالي ومنطقة الساحل فوق أجوائها، وسط حديث عن إجراءات جزائرية "عقابية" أخرى ضد باريس قد تشمل مصالحها الاقتصادية والثقافية.
وأمام هذه المتغيرات الجديدة في "علاقات الذاكرة" بين الجزائر وفرنسا بات التساؤل الأكثر طرحاً من قبل المتابعين عن طبيعة رد الفعل الجزائري وقدرتها أصلا على تمرير مشروع قانون تجريم الاستعمار أم هي خطوة أكثر تعقيدا قد تفتح العلاقات بينهما على سيناريوهات غير مسحوبة، وإن كانت تملك أوراق ضغط بديلة.
احتمال واحد
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور لزهر ماروك أشار في حديث مع "العين الإخبارية" إلى أن "خيار التصعيد في العلاقات بين البلدين ليس في صالح الطرفين، وكذا المساس بالمصالح المشتركة بينهما من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية وسلبية على الطرفين".
وأوضح ذلك بالإشارة إلى فرنسا "قوة كبرى تتمتع بالفيتو وتأثير دولي كبير في صنع القرار، وكذلك الجزائر دولة محورية ولها وزن ومكانة في المنطقة، والتعاون بين البلدين ضروري ومهم على كافة المستويات خصوصاً وأنها علاقات لها أبعاد تاريخية وسياسية وأمنية واقتصادية".
وأكد المحلل السياسي على أن "ملف الذاكرة يبقى كمتغير يؤثر بشكل كبير على العلاقات بين الجزائر وفرنسا من حين لآخر"، مرجعاً ذلك إلى وجود "لوبي قوي ومؤثر في صناعة القرار الفرنسي الذي يضم كل الذين خسروا الجزائر، ويسعون لتوظيف ملف الذاكرة لمنع البلدين من تحسين علاقاتهما والسكوت على التاريخ وعدم إثارة قضية الاعتذار".
ويرى الدكتور ماروك بأن "الجزائر قد تلوح بقانون تجريم الاستعمار وفق سياسية التلويح" سواء إذا فاز ماكرون في الانتخابات أو لأي رئيس فرنسي جديد، لكنه في المقابل استبعد تشريعه مبررا ذلك بـ"عدم جدية أطراف في الجزائر للضغط على فرنسا ولا تريد أن تبقى العلاقات مع باريس حبيسة الذاكرة لوجود مصالح قوية مشتركة".
ووضع احتمالا وحيدا لتمرير الجزائر مشروع قانون تجريم الاستعمار وهو أن "يكون الرئيس الفرنسي القادم أكثر عدائية للجزائر".
الإرادة السياسية
كذلك، لفت المؤرخ والباحث الدكتور أمين بلغيث إلى أن تمرير مشروع قانون تجريم الاستعمار "صعب جدا"، وعاد بحديثه مع "العين الإخبارية" إلى وقف تمرير القانون من قبل النظام السابق مفسرا ذلك بعدم "وجود جرأة أو قدرة لدى الطرف الجزائري خلال الفترة الماضية".
لكنه يرى بأن المتغيرات الحالية "في صالح الضغط الشعبي والنخب التي رأت أن فرنسا تجاوزت كل الحدود، وتجريم الاستعمار ليس بالمسألة البسيطة، ولست متفائلا كثيرا بإعادة صياغة العلاقات مع فرنسا رغم أن الحراك الشعبي قد أعطى فرصة للسياسيين عندما كان يطالب بالمسائل الراديكالية بإنهاء الوصاية الفرنسية للجزائر على مستوى اللغة والاقتصاد والشركات المفلسة التي جلبها النظام السابق".
ويعتقد الباحث الجزائري أن بلاده تملك أوراق ضغط أخرى يرى بأن غيابها "يُضعف قوة مشروع تجريم الاستعمار"، وربط إخراجها بـ"وجود إرادة سياسية"، وأوضح في هذا الشأن بأن هذه المرحلة "تبقى فرصة العمر للجزائر لتعيد حساباتها مع الفرنسيين تبدأ من الجانب الاقتصادي وتنتهي عند الجوانب الدبلوماسية والسياسية".
aXA6IDE4LjIyNC42OS4xNzYg
جزيرة ام اند امز