"حسم" إرهابية.. لهيب يعبد طريق حظر الإخوان
هيكل تنظيمي اتخذه الإخوان واجهة بديلة للمناورة، قبل أن ينتهي بقائمة الإرهاب الأمريكي، في تصنيف يشي بأن حظر الجماعة الأم بات وشيكا.
طرح يتبناه محللون استنادا إلى العديد من المؤشرات وإحداثيات تطور الأوضاع بمناطق نشاط التنظيم وفروعه، يدعمه إعلان الخارجية الأمريكية، تصنيف "حركة سواعد مصر" المعروفة اختصارا باسم "حسم"، إرهابية أجنبية.
ومساء الخميس، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية "حسم" ضمن قوائم الإرهاب، في تصنيف شمل أيضا شخصيتين مرتبطتين بالتنظيم، وهما علاء السماحي، الذي يعتقد أنه المؤسس، إضافة إلى قيادي بارز آخر يدعى يحيى موسى.
وذكرت الوزارة أن تصنيف التنظيم وقياداته يهدف إلى حرمانه من مصادره اللازمة لتنفيذ هجمات إرهابية، علاوة على حظر تعامل الأمريكيين معه.
ويضاف هذا إلى تصنيف سابق للحركة، حيث كانت الخارجية الأمريكية أدرجت حسم ككيان إرهابي دولي "مدرج بشكل خاص بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، في يناير 2018، لأنها تشكل خطرا كبيرا لناحية ارتكاب أعمال إرهابية".
حظر وشيك
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تقدم أربعة نواب جمهوريين في الولايات المتحدة الأمريكية بمشروع قانون للكونجرس، لتصنيف الإخوان منظمة إرهابية ووضعها على قائمة الإرهاب الدولية.
خطوة أعلنها في حينها عضو مجلس الشيوخ السيناتور تيد كروز، قائلا في تغريدة عبر تويتر، إن "زملاءه جيم إينهوف، وبات روبرتس، ورون جونسون، قدموا مشروع القانون للمضي قدما في معركة أمريكا مع التطرف".
كروز طالب واشنطن بتصنيف الجماعة باعتبارها مسؤولة عن تمويل الإرهاب والترويج له، في نهج بدا متناغما مع مساعي الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب.
غير أن الجهود لم تسفر حتى الآن عن نتيجة ملموسة بسبب المعارضة التي تلقاها مشاريع القوانين المتعلقة بهذا الأمر، سواء من بعض المسؤولين بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أو بأماكن أخرى، ممن دعموا طرح الاكتفاء بإجراءات محدودة.
لكن، وفي ظل التقلبات الدولية الراهنة، يرى خبراء أن القرار الأمريكي بشأن "حسم" يفتح المجال واسعا أمام المضي قدما بمساعي إدراج الإخوان بقوائم الإرهاب الدولية، بالنظر إلى العلاقة العضوية المباشرة بين التنظيم الأم والفصيل المتفرع عنه.
فصيل يعتبره خبراء معنيون بالجماعات المسلحة البلورة النهائية لمحاولات الإخوان إسقاط نظام الحكم في مصر، وعودتهم للسلطة، بالتعاون مع حركات مسلحة إقليمية، مستثمرين دعما معلوماتيا ولوجستيا واستخباراتيا ضاعف من قدرات الحركة المسلحة ومكنها من تنفيذ هجمات دموية.
أنقرة.. همزة الوصل
وفي إعلان حظر "حسم"، أشارت وزارة الخزانة الأمريكية إلى أن القياديين بالتنظيم ممن شملتهما العقوبات، وهما علاء السماحي ويحيى موسى، يقيمان في تركيا التي تعتبر حاضنة الإخوان وقياداته الهاربة من مصر بشكل أساسي.
فبصمات أنقرة التي قدمت اللجوء وجنسيتها لقيادات الإخوان تبدو واضحة وهي التي دعمت فصيلا بدأ كخلية عشوائية هزيلة القدرات، وأشعل الميادين المصرية بالعنف في أعقاب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة 2013.
لكن، فجأة تحول الفصيل إلى واحد من أقوى التنظيمات السرية المسلحة، ما منح قناعة شبه راسخة بخضوعه إلى إعادة تنظيم هيكلي بسبب تقاطعه مع أجندات إقليمية بينها تركيا وكتائب القسام التابعة لحماس، والاثنان يلتقيان عند خط التماس نفسه.
لعبت أنقرة على ذات الوتر الذي تعزف عليه حين يتعلق الأمر بزرع الفوضى بمكان مستهدف، حيث دعمت في يونيو/ حزيران 2016، إعادة هيكلة الفصيل الإخواني الوليد، من خلال تركيز نشاطه عبر محاور مختلفة لكنها تصب جميعا في استثمار العمل المسلح لإحراز مكاسب سياسية، والسيطرة إداريا وأمنيا على المنطقة الغربية لمصر.
هيكل تنظيمي جديد صنعه الإخوان وباركته أنقرة، شكل واجهة بديلة للجماعة الأم، تتيح لها المناورة في الداخل والخارج، وتمكنها من العمل بمعزل عن انقساماتها وأزماتها الطاحنة.
مسميات لإرهاب واحد
نشاط "حسم" بدأ في 2014 بمصر، تحت مسمى "حركة العقاب والحسم الثوري"، وكانت حينها واحدة من خلايا مسلحة صغيرة شكلها الإخوان من أتباعهم والنافرين من تنظيمات أخرى، وذلك ما فسر الطابع "الهاوي" والعشوائي لعمليات الفصيل حتى العام 2015.
لاحقا، رأى التنظيم الأم أن الفصيل بحاجة إلى تطوير تنظيمي يمنحه أدوات قادرة على إحداث صدى إعلامي أكبر، وهو عادة ما تؤمنه العمليات الدموية ذات المحصلة المدوية.
وبالفعل، اختفى المسمى الأول عن الساحة، ليظهر "حسم" بعد إعادة هيكلة وتجميع عناصر منتقاة وفق مواصفات عالية، في رهان بدا حاسما بالنسبة لجماعة الإخوان على تطوير عملها المسلح.
وعلى خطى منبعها، حاولت الحركة تغليف ممارساتها بشعارات دينية لتبرير عملها الإرهابي، لكنها فشلت في ذلك بشكل ذريع، حيث سرعان ما تأكد أنها تنظيم سياسي بذراع عسكري ولد من رحم الإخوان، ويتحرك من منطلقات سياسية ثأرية، بعيدا عن التنظيمات الأيديولوجية التقليدية.
حاول الفصيل الاستفادة من التقلبات العالمية، كما ناور في أساليبه محاولا تفادي أخطاء الجماعة الأم، فلجأ إلى التركيز على نقاط جذب مختلفة لاستقطاب التعاطف والتأييد، مستخدما شعار "المظالم السياسية والاجتماعية" الزائف.
لكن حتى هذه الورقة سرعان ما احترقت بلهيب تنامي الوعي السياسي والمجتمعي بمخاطر الإخوان، فانفضحت استراتيجية التنظيم المبنية على توظيف الأدبيات السياسية والعنف الثأري بتأليب الشارع والركوب على الفوضى، خدمة لأجندات سياسية بحتة هدفها الخراب.
سجل إرهابي
في الخامس من أغسطس/آب 2016، اختبأت عناصر حسم "الإخوانية" بإحدى الحدائق بخط سير أحد كبار علماء الأزهر، محاولة اغتياله.
ورغم التخطيط المسبق فشلت "حسم" حينها في اغتيال الشيخ علي جمعة، مفتي مصر الأسبق.
وبعد شهرين من إعلان مسؤوليتها عن محاولة اغتيال "جمعة"، حاولت الحركة اغتيال أحد كبار مساعدي النائب العام "زكريا عبدالعزيز"، أثناء عودته من مكتبه، بواسطة سيارة مفخخة قرب منزله لكن العملية فشلت كغيرها.
وسرعان ما وسعت الحركة نشاطها ليشمل استهداف كمائن للشرطة ونقاط أمنية عدة عبر التفجير عن بُعد كان أبرزها تفجير عبوة ناسفة استهدفت نادى الشرطة بمحافظة دمياط في 4 سبتمبر/أيلول 2016، مخلفا 6 مصابين.
وبعد أربعة أيام، نفذت الحركة عملية اغتيال بحق أمين شرطة (رتبة أقل من ضابط) بعدما أطلق عليه النار من سيارة، وبعد شهرين وتحديدا في 4 نوفمبر 2016، أعلنت الحركة المسلحة مسؤوليتها عن محاولة اغتيال المستشار أحمد أبو الفتوح، أحد القضاة الثلاثة الذين حكموا على الرئيس المعزول محمد مرسي بالسجن عشرين عاما في عام 2015.
ومع نهاية العام، أعلنت الحركة المسلحة مسؤوليتها عن هجوم استهدف نقطة تفتيش على الطريق الرئيسي بمنطقة الهرم، بمحافظة الجيزة، غرب القاهرة، أسفر عن استشهاد 6 شرطيين.
وفي السنوات التالية، نجحت الضربات الأمنية الاستباقية في إفشال هجمات إرهابية اعتزم أعضاء الحركة ارتكابها، وضبط العشرات منهم، غير أن الحركة المسلحة باغتت المصريين بواحدة من أفظع الجرائم وهو الهجوم الدامي أمام معهد الأورام في القاهرة في أغسطس/آب 2019، والذي أسفر عن استشهاد 20 شخصا وإصابة 47 آخرين.