ماذا يخبئ الإرهابيون لعام 2017؟ البداية قاتمة، والتوقعات متشائمة. ثمة ما يدعو للتحسب والحذر، من أن يكون مقبل الأيام قاسيا
ماذا يخبئ الإرهابيون لعام 2017؟ البداية قاتمة، والتوقعات متشائمة. ثمة ما يدعو للتحسب والحذر، من أن يكون مقبل الأيام قاسياً وصعباً على دول رصدت ميزانيات ضخمة لحماية مواطنيها، وتجد نفسها عاجزة عن القبض حتى على مرتكبي العمليات على أراضيها، مثل جزّار (أو جزاري) ملهى «رينا» في إسطنبول أو مهاجم سوق الميلاد في برلين الذي عثر عليه بمحض صدفة.
خسارة «داعش» لما يقارب نصف الأراضي التي كان قد استولى عليها، منذ العام 2014 سواء في سرت أو حلب والموصل، يشتت شمل مقاتليه. المعنويات المتدنية للمجندين وحتى المؤيدين، يدحر البعض لكنه يشحذ غضب غيرهم، ويؤجج غيظه والنقمة. تخاف أوروبا ممن تقدّر عددهم بخمسة آلاف «داعشي» عادوا إلى أراضيها، بعد أن تدربوا، وخاضوا حروباً، وتلقوا دروساً في الكراهية. العدد مرشح للارتفاع طالما أن الانهيار متواصل، ولا ملجأ للهاربين غير العودة إلى ديارهم.
«2017 ستكون سنة رهيبة لفرنسا، ومغرية لمن يودون ارتكاب عمليات إرهابية، لا سيما في الفترة التي تسبق الانتخابات» هذا ليس رأياً لمنجّم يتسول شهرة، وإنما تصريح لخبير عمل 10 سنوات في مجال مكافحة الإرهاب، قبل أن يصبح نائب الرئيس الأول في المحكمة العليا لمدينة ليل الفرنسية. مخاوف مارك تريديفيك، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. وهو ما يدفع بفرنسوا هولاند لأن يحط في بغداد، ويصرح من هناك: «إنها سنة الانتصار على الإرهاب». المكافحة تشتد شراسة، والأساليب الإرهابية تتلون كالأفعى، لتفلت من الرصد والتحري.
استراتيجية «الذئاب المنفردة» يتوقع أن تصبح مفضلة عند الإرهابيين. خلايا صغيرة، تعمل باستقلالية وسرية، بحيث يصعب كشف حركتها قبل ارتكاب جريمتها، ويتعذر الإمساك بها بعدها.
ليس غريباً أن نعرف بعد ذلك أن فرنسوا هولاند أعطى أوامره كرئيس للجمهورية لجهاز المخابرات والجيش الفرنسيين لاغتيال أشخاص فرنسيين أو حاملين للجنسية الفرنسية، احترازاً من عودتهم وخشية من أن يشكلوا خطراً على فرنسا. وإذا كان الرئيس نفسه اعترف بأربع حالات وافق عليها، فإن المعلومات التي تتسرب للصحافة تتحدث عن مئات الاغتيالات داخل وخارج الأراضي الفرنسية لمتطرفين تم التخلص منهم. أكثر من ذلك فإن غارات جوية، تحدد أماكن فرنسيين متطرفين وتستهدفهم في سوريا والعراق. وليس صدفة – تقول الأخبار - أن يصبح عدد القتلى من حملة الجنسية الفرنسية، في الأشهر الأخيرة، ضعف أو ضعفي عدد من كانوا يقتلون في فترات سابقة.
كل السبل باتت متاحة إذن، للتخلص من المتشددين الأوروبيين، حتى دون أن يخضعوا لمحاكمة أو يمثلوا أمام قاضٍ، ولا بأس بالاغتيالات الوقائية الاستباقية، بعد أن أفلتت اللعبة من يد من كانوا يظنون أنهم يحركون خيوطها.
أكثر من عشر عمليات إرهابية نفذها متطرفون، بين سوريا والعراق وتركيا منذ مطلع السنة، بمعدل أكثر من عملية كل يوم. روايات شهود العيان في تركيا تكشف حالة من الارتباك الأمني. قاتل يقتحم أشهر وأهم ملهى ليلي يخضع لإجراءات أمنية استثنائية، وهو تحت حماية حراس أشداء، لا يرف لهم جفن. ومع ذلك يبقى القاتل يزود سلاحه بالأمشاط ويفرغها في أرواح ضحاياه، ما يقارب الساعة، قبل أن تصل الشرطة. في بغداد ثماني عمليات في اليوم الثاني من السنة تحيل العاصمة العراقية إلى جهنم، وكأنما هناك ما يفلت كليًا من قبضة الدولة. أما في سوريا فلا شيء غير الفوضى، وانفجار جبلة رغم مأساويته بدا كأنه استمرار لمشهد روتيني بائس.
«داعش» يتهاوى، لكن «الفكر المتطرف» قد يكون إلى تصاعد. قياس غليان المشاعر وفوران الأفكار ليس سهلاً، ويحتاج لمناهج ودراسات. ديفيد تومسون، الذي يتحرى على الأرض عمل الحركات المتشددة منذ بدء الثورة التونسية، وله كتاب أثار الجدل يحمل عنوان «الفرنسيون الجهاديون» يقول صراحة لمواطنيه «نحن في وضع خطير جدًا». الرجل الذي ذهب يبحث عن الدوافع والآمال، يفتش عن المحرك وراء ذهاب كل فرنسي حاوره إلى سوريا، ويستنتج أن قلة من بين هؤلاء تم تجنيدهم بالفعل عبر وسطاء في المساجد أو من خلال الحركات الدعوية، وأن غالبيتهم ساقتهم حاجتهم إلى البحث عبر وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة «فيسبوك». ثمة فرق بالنسبة لتومسون بين «الجهاد» في أفغانستان الذي ذهب إليه المقاتلون فرادى، وهذا الذي شهدناه في سوريا، حيث سافر المنخرطون مع أولادهم وزوجاتهم، في مشروع انخرطت فيه عائلات، ونشأ أطفال وولد آخرون، وتربوا على فكر لا يشبه ذاك الذي تحتمله فرنسا.
ربما يجدر الإصغاء إلى أمثال تومسون الذين جمعوا معلومات من أفواه المتطرفين، وأصغوا إلى كلماتهم بتمعن وسجلوها بعناية. إنهم أقدر على مقاربة الواقع من المنظرين الجالسين خلف مكاتبهم الباردة، ويأتون بالأخبار من سماعات تليفوناتهم.
تومسون يتحدث عن أطباء ومهندسين، عن مؤمنين مسيحيين كانوا يرتادون الكنائس، عن أغنياء مرفهين، أو مسلمين من أبناء مهاجرين. كلهم، لربما، تجمعهم مشاعر الإحساس بـ«المهانة» في مكان ما، بـ«الغبن»، بـ«الخيبة» كلمة «استعمار» يبدو أنها كانت تتردد كثيرًا على مسمعه «الإحباط»، «خيبة الأمل». هؤلاء المقاتلون العقائديون، الشرسون، حين يعرفون جيدًا أن دولتهم المأمولة لم تعد موجودة، ولا بد لهم من مكان آخر يأوون إليه، ستتفاقم خيبة أملهم، ويتعاظم غيظهم حد الانفجار بمن حولهم. المكافحة العسكرية ستؤكد، ربما، في العام الجديد، أنها لم تكن باعتمادها وحدها علاجًا ناجعًا، وعلى من يحكمون هذا العالم، أن يدركوا بعمق وحكمة، بأن محاربة هذه الأفكار الشريرة لا تكون بالطائرات، إنما بالعدالة والتوازن وكثير من المحبة حتى لمن اعتنقوا البغضاء نهجًا.
* نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة