مئوية ميلاد تاتشر.. دروس «معاصرة» في القوة والتحالفات

في الذكرى المئوية لميلادها، تبرز فلسفة مارغريت تاتشر، في القيادة والدبلوماسية كمنارة تستحق التأمل في عصرنا الحالي.
فـ"المرأة الحديدية" التي رحلت في أبريل/نيسان 2013، لم تكن مجرد رمز الصلابة السياسية، بل كانت مثالاً نادراً للقادة الذين يجمعون بين الحزم والتحضر في إدارة العلاقات الدولية، بحسب شبكة "فوكس نيوز".
وتولت تاتشر رئاسة الوزراء في بريطانيا من مايو/أيار 1979 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 1990.
ولعل أبرز ما ميز شراكتها التاريخية مع الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان هو ذلك التوازن الدقيق بين الالتزام بالمبادئ وإدارة الخلافات باحترام متبادل. فقد أدرك القائدان أن العلاقات الشخصية المتينة تشكل أساساً للسياسة الدولية الناجحة، كما تجلى في مقولة ريغان الخالدة: "العلاقات الشخصية أهم في السياسة الدولية مما يظنه المؤرخون".
وقد برهنت تاتشر على براعتها الدبلوماسية في تعاملها مع القادة الذين لم تشاركهم الرؤى السياسية، ولا سيما مع الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف. فقبل أن تصبح العلاقة معه موضوعاً للدبلوماسية الرسمية، أعلنت أنها "يمكنها التعامل معه"، معبرة بذلك عن واقعية سياسية ترفض اختزال الخصوم في رموز مجردة، وتعترف بإنسانيتهم وقدرتهم على التفاوض.
لم يكن هذا التحضر تنازلاً عن المبادئ، بل كان أسلوباً استراتيجياً لتحقيق الأهداف الوطنية. فالتاريخ يشهد أن تاتشر وريغان لم يترددا في الدفاع عن قيمهما ومصالح بلديهما، لكنهما فعلا ذلك بطريقة احترافية سمحت لهما بتحقيق إنجازات تاريخية، من أبرزها توقيع معاهدة الحد من الأسلحة النووية، وانهيار جدار برلين، وإنهاء الحرب الباردة بشكل سلمي.
وفي عصرنا الحالي، حيث تواجه الديمقراطيات تحديات وجودية متعددة، من صعود القوى الاستبدادية إلى الانقسامات الداخلية الحادة، تظهر حكمة تاتشر وريغان أكثر من أي وقت مضى. فالقدرة على الجمع بين الصلابة في المواقف والمرونة في الأساليب، والتمييز بين الخصم والنظام، والالتزام بالتحضر حتى في أحلك لحظات الخلاف، كلها دروس لا غنى عنها للقادة المعاصرين.
وقد أعاد لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر مؤخراً، وتأكيدهما على متانة التحالف التاريخي بين البلدين، إلى الأذهان روح شراكة ريغان وتاتشر. فهو يذكر بأن التحالفات المتينة تقوم على المصالح المشتركة والثقة المتبادلة، وأن التحضر ليس ترفاً سياسياً، بل ضرورة استراتيجية.
وبينما يحتفل العالم بالذكرى المئوية لميلاد تاتشر، يظل إرثها مدرسة سياسية حية تقدم دروساً ثمينة في فن القيادة والدبلوماسية. وقد أثبتت أن التحضر ليس تنازلاً عن القوة، بل تجسيداً لها، وأن القيادة الحقيقية تكمن في القدرة على تشكيل التاريخ دون التخلي عن المبادئ، والتمسك بالثوابت مع فهم متطلبات الواقع المتغير.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjE3IA== جزيرة ام اند امز