يُقال إن الأمم تسقط عندما يتخلون عن قيمهم ومبادئهم، حيث يقول أمير الشعراء أحمد شوقي :"إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا".
بدأ كأس العالم لكرة القدم بصراعات غريبة هجينة وشعارات وكأنها مدروسة وموجهة لإهانة الأمة الإسلامية، حيث لاح الهجوم والطعن في أخلاقياتنا وقيمنا ومبادئنا، ولكن أمام ثبات وعزيمة الأمة الإسلامية وحزم أمير قطر بعدم المساومة في الدين والمعتقدات سقطت كل الاقنعة، وسقطت منتخبات الدول الداعية للمثلية وذلك عندما تناسى الغرب من أي رحم خرجوا.. أكان رجلا أم امرأة؟!؟ يقول عزّ وجل في كتابه العزيز : "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ".
ويقول النبي المصطفى، صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وها نحن جميعا نتبع سنته الكريمة ونتخلق بخلقه في بر الوالدين، حين بثّ أسود الأطلس الأبطال، وهم على القمة، صورا ولا أروع، فيهرعون إلى أمهاتهم وزوجاتهم وأبنائهم، عقب كل هدف أو مباراة، ليضرب الله تعالى فيهم الأمثال للناس لعلهم يتقون.
في المقابل، يقف المنتخب الإيراني في حفل الافتتاح ويعزف النشيد الوطني ويقف اللاعبون في صمت تضامنا مع الشعب الثائر في إيران، ويلعب المنتخب الإيراني ثلاث مباريات تُظهر قوته، ولكن يبدو، وحسب وجهة نظري، أن المنتخب الإيراني تعمد عدم التأهل للدور الـ 16 لأنه في حال التأهل، قد يلتف الشعب هناك حول أصحاب العمائم وتموت ثورة الجوع والقمع في مهدها، فقرروا قرارا جماعيا داخل المنتخب أن يعبروا عن تضامنهم مع الشعب الإيراني بالتراجع، وهذا شأن عظيم في مونديال كرة القدم، في قلوب اللاعبين، لكنهم لم يرغبوا أن يقدموا لنظام الملالي فرصة استغلال أي فوز يحققونه لإخماد صوت الشعب واستدراج عواطفه.
وحين راهن الإعلام الغربي لسنوات طويلة، أنه لا يمكن إقامة مونديال كرة القدم في دولة عربية، وذهب بعض الإعلام المشين للمراهنة على وقوع أحداث إرهابية، لكن العالم كله رأى بأم عينيه أن المسلمين لديهم من الأخلاق والقيم وكرم الضيافة، ما يفيض إلى العالم كله، سواء من الدوحة التي ازدانت بالود أو القيادات والجماهير العربية التي عكست قيم الحب العربية الإسلامية الأصيلة.
أما أسود الأطلس، ففي هذا اليوم المبارك، 14 ديسمبر 2022، الذي تواجه فيه المغرب فرنسا، في نصف نهائي كأس العالم 2022 في قطر، في أرضهم وبين جمهورهم الكبير، فنقول لهم: ماذا فعلتم في جميع البلدان العربية من المحيط إلى الخليج، في قرابة 400 مليون عربي يتابعكم بشغف ليس له مثيل؟ ماذا فعلتم بالطوائف التي توحدت والقبائل التي تجمعت والصراعات التي هدأت والدول والأنظمة والشعوب التي أصبحت شعبا واحدا تحت الراية الحمراء لأسود الطلس؟ ماذا فعلتم بالقلوب التي تهتف كلها بصوت واحد للمغرب العربي الأصيل؟ هل تعلمون بأن قادة الغرب والأنظمة التي استحقرت الأمة طوال قرون وتآمرت لربيع عربي مظلم يهدم ما تبقى من الأمة بأنهم يعتصرون ألما ووجعا على هذه الوحدة العربية التي حققتموها بجهودكم العظيمة؟ نعم، هذا ما تحقق بإذن الله لقد صنعتم تاريخا جديدا لوحدة الأمة، إنها رسالة واضحة المعالم أن الأمة بحاجة إلى رجال يقودونهم بحب وإخلاص لتوحيد الصفوف والقلوب بأبسط الأشياء وأكبر دليل هو فرحة الجميع في أصقاع الوطن العربي الكبير دون فرق بين غني وفقير أو صغير وكبير، هذا ما فعلتموه حقا، إنها رسالة لكل عربي رسمها أسود الأطلس أننا كشعوب قلوبنا عربية خالصة فإذا فرح أحدنا فرحنا جميعا وما يحزن أحدنا يُحزننا جميعا.
وسواء فازت المغرب على فرنسا أو خسرت، وسواء فازت بكأس العالم أم لم يحالفها الحظ، فقد أثبت أسود الأطلس عن جدارة بالغة أن الأمة متمسكة حتى النخاع بقوميتها العربية وقيمها الأصيلة، وأن الوقت قد حان لنفهم تلك الرسالة العظيمة التي تدعونا لوأد النزاعات والصراعات والخلافات وتدعونا للتوحد ثم التقدم لنقارع أمم العالم كلها.
قلوبنا جميعا، وبصوت واحد، تدعو المولى عز وجل وتهتف لأسود الأطلس بالفوز، وما ذلك على الله بعزيز.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة