اختتمت القمة العربية الصينية في "الرياض" والتي قد ينظر إليها على أنها الأولى بهذا المستوى، في تاريخ العلاقات بين العرب والصين،
في مرحلة دقيقة تشكل بها المنطقة العربية أرضية جاذبة لمعادلات ومسارات التوازن بين الشرق والغرب، لا تتوقف على حدود التنمية الاقتصادية وحسب، بل تتصل بميزان القوى الدولي وتعقيداته، في عالم جديد يتجه إلى تعددية الأقطاب.
تزامنت القمة مع تحديات الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها، وما أفرزتها من تطورات في خارطة التوازنات الجيوسياسية، وإعادة تقييم للتحالفات الإقليمية والدولية، وقدمت ركيزة استراتيجية لدول عربية تطمح لإنشاء أو استكمال مسار علاقاتها بالصين، وقد تكون رمزية لدول عربية أخرى، استبقت الأحداث منذ سنوات بعلاقة اقتصادية تكاملية مع بكين.
العلاقات الخليجية الصينية قائمة على المستوى الثنائي، وقد تسهم القمة في تعزيز التبادل التجاري الخليجي الصيني إلى أكثر من 160 مليار دولار، بينما هي فرصة قيمة للدول العربية لتنويع العلاقات السياسية والاقتصادية، باعتبار الصين الشريك التجاري الأكبر للعرب، في تبادلات تصل إلى 330 مليار دولار.
تقاطعت المصالح الاقتصادية العربية الصينية، فدول الخليج تريد تنويع اقتصاداتها وتقليل الاعتماد على الطاقة، بينما تسعى بكين إلى توسيع نطاق نفوذها، عبر مبادرة "طريق الحرير الجديدة"، وتعد الصين المشتري الرئيسي للنفط العربي بنحو 5.74 مليون برميل.
لا يمكن تجاهل الاستقبال الكبير للرئيس الصيني "شي جيبينغ" في السعودية، مقارنة بزيارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" منذ خمسة أشهر لحضور "قمة جدة للأمن والتنمية"، ولو وضعنا مقارنة بسيطة في علاقات العرب مع الغرب طوال العقدين الماضيين، سندرك عبث السياسة الغربية في المنطقة العربية، بتبنيها مشروع ما يسمى بمشروع "الربيع العربي"، الذي أراد صعود الإسلام السياسي المتطرف، والسياسة الغربية المتذبذبة تجاه الاتفاق النووي مع إيران، والتساهل مع ميليشيا الحوثي الإرهابية التي استهدفت أمن السعودية والإمارات.
من مميزات الصين أنها لا تتدخل في شؤون الدول، ولا تحب أحداً أن يتدخل في شؤونها، فبكين تركز على تنمية المسارات الاقتصادية، وهو ما يتناسب مع طرح الدول العربية المحورية، التي تريد فصل مصالحها الاقتصادية عن السياسة، وأعتقد أن الرسالة باتت واضحة، فسياسة واشنطن الحالية تسهم في تمدد الصين، ولا أعتقد أن العرب قرروا الاتجاه للعملاق الصيني والابتعاد عن الحليف التقليدي الأمريكي، فهذا الطرح مبالغ فيه، برأيي أدركت المنطقة العربية ضرورة الانفتاح والتوازن في العلاقة مع مراكز الثقل في العالم.
العالم يتغير مع ظهور عدة قوى صاعدة، تنافس القوى الغربية التقليدية، فمن جانب سنجد كوريا الجنوبية وقدرتها على صنع وتشغيل المفاعلات النووية، وسنجد التكنولوجيا الصينية، وتنافس الشركات الهندية والكورية والصينية على الصناعة النفطية، وفي نفس الوقت لا يمكن الاستغناء بشكل كلي عن التقنيات الدفاعية الغربية الفريدة من نوعها، أو الصناعات الطبية والدوائية الفعالة في الغرب.
تميزت الإمارات بعلاقتها القوية مع الصين، والتي أسست بطريقة اقتصادية خالصة، ولم تكن سياسية التوجه، فالعلاقة بين البلدين تطورت سريعا في ضوء الشراكة الاستراتيجية الموقعة عام 2012، ما جعل الإمارات تستحوذ على 30% من إجمالي تجارة الصين غير النفطية مع الدول العربية، والأولى عربيا في استقبال الصادرات الصينية، ويحسب للإمارات قدرتها على الموازنة بين علاقتها مع بكين، علاقاتها الاستراتيجية مع حلفاء واشنطن في آسيا، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند وإندونيسيا، بالإضافة إلى انضمامها إلى مجموعة I2U2، والتي تضم الولايات المتحدة والهند وإسرائيل.
من حق الدول العربية التي لم تبدأ فعليا علاقتها مع الصين، بمراجعة علاقاتها الخارجية حفاظا على أمنها السياسي والاقتصادي، فالدول العربية السباقة في هذا الطرح، استطاعت تحقيق نجاحات اقتصادية كبيرة، ولا تزال تحافظ على توازناتها الدولية بحسب مصالحها الوطنية، والانفتاح مع الصين لن يضر بالضرورة بالعلاقة مع الولايات المتحدة، لو علمنا أن الاقتصادين الصيني والأمريكي مرتبطان بشكل واسع، برغم التنافس الشديد بين القطب الصاعد والقطب التقليدي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة