تندرج القمم الصينية في الرياض في ختام 2022 في سياق الشركات الاقتصادية والتحالفات الاستراتيجية التي تعمد الرياض في تطويرها وتمددها بما يخدم أمن واقتصاد المملكة،
إلا أن هذه القمة جاءت بعد برود وفتور في العلاقات بين الرياض وواشنطن في ظلّ أزمة أسواق الطاقة العالمية من جهة، ومن جهة أخرى ومن اللافت أن تكون الرياض هي العاصمة الأولى التي يزورها الرئيس الصيني بعد انتخابه، وكأنما هما حلف ثنائي دولي يبرز إلى العلن.
الشراكة الصينية السعودية كان لها الأثر الطيب الذي خدم مصالح كلا البلدين التجارية والاقتصادية والسياسية وكانت دائما ما تنعكس إيجابا على تعزيز التعاون ومواكبة التطور الذي يجتاح العالم عبر التقيد والتنفيذ المتميز لكل بنود الاتفاقيات التي كانت تقوم عليها العلاقات لمعاصرة التغيرات التي تصيب الأسواق والعصر.
كتب آرون ديفيد ميلر، وهو زميل أول في معهد كارنيغي للسلام الدولي ومحلل ومفاوض سابق لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية، مقالاً نشرته مجلة فورين بوليسي تحت عنوان "زيارة شي إلى السعودية تثبت انتهاء تحالف الرياض الثنائي مع واشنطن"، استهله باستذكار مقولة سابقة لوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، رحمه الله، حين قال للصحفي بصحيفة واشنطن بوست ديفيد أوتاوي خلال مقابلة في عام 2004 "إن العلاقة الأمريكية-السعودية ليست زواجاً كاثوليكياً، حيث يُسمح بزوجة واحدة فقط؛ وإنما هي زواج إسلامي يُسمح فيه بأربع زوجات". وكتب أوتاوي معلقا على ذلك وقتها "إن المملكة لم تكن تسعى إلى الانفصال عن الولايات المتحدة، بل إلى الارتباط بدول أخرى".
لذلك فإن زيارة الرئيس الصيني للمملكة العربية السعودية وسط هذا الزخم، يُظهر عزم الرياض في تفعيل دور شريكها الصيني الذي احتل مركز الشريك التجاري الأول للسعودية لآخر 5 سنوات بالمقابل بلغت نسبة الاستثمارات السعودية في الصين 8.6 مليار ريال، كما احتلت السعودية المرتبة 12 من ترتيب الدول المستثمرة في الصين ، وصلت قيمة الاستثمارات الصينية في المملكة 29 مليار ريال بنهاية العام 2021.كما عمدت بكين والرياض إلى تأسيس صندوق لدعم الشركات التقنية الناشئة في المملكة برأس مال يقدر ب 1.5 مليار دولار.
ومن صور التعاون بين البلدين، التعاون النووي في تطوير استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية، ما يمهد لتعزيز التعاون العلمي والتقني بين البلدين ، كما أعربت الصين عن دعمها لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وبالمقابل انضمت الأخيرة إلى مبادرة التنمية العالمية التي اقترحها الرئيس الصيني لتوجيه التنمية نحو مرحلة جديدة من النمو المتوازن والمنسق والشامل لتسريع تنفيذ أجندة 2030 وتحقيق تنمية عامة أكثر قوة واخضراراً وصحة.
ويمكن القول إن القمم الصينية في السعودية تأتي تتويجا لجهود الرياض وبكين المبذولة منذ سنوات، ولكي تضم العالم العربي ليكون جزءً من هذا التعاون ووجهة أخرى يمكن أن توفر الرخاء والاستقرار على كافة الأصعدة.
والأسئلة المطروحة حاليا، كيف سيتفاعل الغرب وسيما واشنطن مع هذا التوجه العربي الجديد؟ هل سيحتفظ الغرب بصفة الشاهد أم سيعيد النظر بفتور علاقته مع الرياض، وسيعيد دراسة وتقييم مواقفه وحساباته؟
إن المملكة لم تكن تسعى إلى الانفصال عن الولايات المتحدة، بل إلى الارتباط بدول أخرى. وقد تحقق ذلك الآن، وهو ما يتجسد بجلاء في زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية هذا الأسبوع -وهي الأولى له منذ عام 2016. وتشبه الزخم الذي غلف القمم الأمريكية العربية في السعودية خلال زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للمملكة في عام 2017: احتفال كامل يلتقي فيه الشريك التجاري الأكبر للمملكة بأكبر مصدر للنفط المستورد للصين.
خلاصة القول لا يمكن أن تحل بكين محل واشنطن في القضية الأكثر أهمية بالنسبة للخليج والمملكة، وهي أمنهم في منطقة مضطربة؛ ولكن تحالف الرياض مع واشنطن يحتاج إلى مراجعة خاصة من البيت الأبيض لكي يصحح الأخير بوصلته حتى لا يتوه هذا التحالف في بحر لجي متلاطم تقوده التغييرات التي يشهدها العالم سواء اقتصاديا أو سياسا أو عسكريا وحتى ما يتعلق منه بمكافحة التغير المناخي... الكرة الآن في الملعب الأمريكي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة