إن فرض معايير معينة على المنطقة العربية من قبل الدول الغربية أدت في نهاية المطاف لخلخلة الثقة بالغرب،
ولعل الصين تحصد ثمار هذا السلوك، وتحاول جاهدة إيجاد صيغة جديدة للتعاون الأكبر مع العالم العربي ولاسيما دول الخليج العربية.
ولدى العرب روابط ثقافية قوية مع الصين، وعلى الرغم من أن الصين قوة كبرى، إلا أنها كانت سابقاً، تفضل أن تظهر في المشهد السياسي عن بعد، ولم تكن شديدة التأثير سياسياً وعسكرياً، لكن الواقع اختلف تماماً اليوم، ولعل المسألة التايوانية أبرز مثال على ذلك.
والشراكة بين العرب والصين تستهدف المستقبل، بعيداً عن كل التجاذبات السياسية، لأن المستقبل رهن العمل الجاد والمشاريع الصحيحة القائمة على أسس منطقية وفعالة وشراكات حقيقية.
والصين لا تأتي إلى المنطقة ببارجات وحاملات طائرات - كما يقول كاتب عربي خليجي معروف - وإنما بمبادرات اقتصادية، ودول الخليج العربية تقيم شراكة مع الصين وتحافظ على حلفها مع الولايات المتحدة.
ووقوفاً عند السؤال الكبير: لماذا غاب الشق الأمني والعسكري عن اتفاقيات الزيارة الصينية للسعودية؟ ولعل الجواب بسيط جداً، المنطقة تقدم التنمية على كل شيء، وهذا سر نجاح دول الخليج العربية وتفوقها في مجالات شتى.
وهذا لا يلغي بطبيعة الحال، أن القمة الصينية الخليجية، هي تعميق مصلحة الصين في أمن الخليج العربي واستقراره وازدهاره، وهو بند واضح لكل من يقرأ ما بين سطور القمة المهمة.
وبالعودة إلى مسألة تراجع ثقة العرب بالغرب، لابد من معالجة عقلية الطرح السياسي الآني لبعض دول الغرب، حين تخاطب العرب: إما الصين أو الغرب، إما روسيا أو الغرب، وهذا طرح غير مقبول.
والأصح هو أن يفهم الغرب، أنه شريك للعرب وحليف لهم، كما الصين وروسيا، والتفصيل قائم على مبدأ المصالح المشتركة، وليس ذر الرماد في عيون الآخرين، فالعرب اليوم يجتمعون على ما يخدم برامجهم وخطط التنمية في دولهم.
وأصبحت الدول الخليجية العربية بالذات اليوم تستثمر كل عناصر قوتها وتحالفاتها الإقليمية والدولية بناء على أولوياتها ومصالحها وتمتلك رؤى شاملة وبرامج عملية وخططاً مستقبلية، وأصبح على كل القوى الدولية أن تتعامل مع هذه المعطيات المهمة عبر القواعد الجديدة وموازين القوى المتغيرة.
والمنظومة العربية تتقدم نحو الأمام على الصعيد الدولي من خلال الصين، وليس للولايات المتحدة إلا أن تعيد حساباتها، فالصينيون ذهبوا ليوقعوا اتفاقيات ضخمة في الطاقة والاستثمار والأمن مع العرب، بينما أمريكا تشاهد من دكة الاحتياط.
وستسهم مستقبلاً، قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية في تعزيز دور الخليج العربي كركيزة للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، ومد جسور التواصل من خلال تنسيق مواقف الجانبين والخروج بتصور وآليات تفاهم مشتركة، وإطلاق ودعم المبادرات النوعية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة