ما بين العرب والصينيين قواسم مشتركة وتاريخ طويل من التعاون التجاري والثقافي، منذ الحضارات الصينية القديمة حتى مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني تشي جين بينغ قبل عشر سنوات تقريباً، والتي جاءت لتواكب النمو الكبير للاقتصاد الصيني، وتحقيق تنمية
وثمة إدراك صيني بأهمية التقارب مع أهم الاقتصادات العربية في دول الخليج، يقابله رغبة في تعزيز تلك العلاقات لتعقد ثلاث قمم صينية في المنطقة، قمة صينية/سعودية، وقمة صينية/خليجية، ولأول مرة في التاريخ قمة صينية/عربية.
وفي ظل التقارب الصيني الخليجي تطرح تساؤلات كثيرة حول الأسباب التي تدعو لهذه القمم، وما هي مجالات تعزيز العلاقات مع بكين؟ وهل هي مرحلة مؤقتة في انتظار تحسن العلاقات مع واشنطن؟
هناك أسباب كثيرة تسير بالعلاقات الصينية الخليجية نحو التطور والنمو، على رأسها بلا شك الاقتصاد التكاملي للجانبين، حيث تحتل بكين المركز الأول كأكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون منذ عام 2020، فيما تتصدر دول الخليج قائمة الموردين للطاقة، وتحتل مكانة مهمة في مبادرة الحزام والطريق الصينية لا سيما بامتلاكها موانئ نقل المنتجات الصينية نحو العالم، بالتزامن مع وجود رؤى اقتصادية خليجية توازي الخطة الصينية وترغب في الاستفادة منها.
في المقابل، تريد الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم والاقتصاد الأكثر نمواً، أن تستثمر في دول الخليج العربية، وأن تستفيد من الخطط التنموية الحديثة في تلك الدول، وأن تعزز خطوط ملاحة لمبادرة الحزام والطريق بموقعها الاستراتيجي على طرق المواصلات، ووجود المحطات المهمة التي تحتاجها الصين لا سيما الطريق البحري الذي يمر بالمحيط الهندي وبحر العرب حتى البحر الأحمر وصولاً إلى أفريقيا.
لكن مجال الاقتصاد ليس هو العامل الوحيد الذي يقود العلاقات الخليجية الصينية، بل هناك محاولات للوصول إلى مساحات جديدة من التعاون تشمل الجوانب العسكرية والصناعية رغم عدم التركز عليها في المرحلة الحالية، إلا أن خيارات التعاون الصناعي العسكري مطروحة دائماً مع الصديق الصيني، وهذا لا ينفي بقاء الحليف الأمريكي في المركز الأول، حيث تبقى العلاقات التاريخية والاستثمارات المتعددة أكبر من احتمالات التخلي، بالإضافة إلى صعوبة أن تحل بكين محل واشنطن كقوة عسكرية عالمية، ولذا لا يمكن اعتبار التقارب الصيني الخليجي تبدلاً في المواقف والأحلاف، لكنها أيضاً ليست مناورة وقتية للفت الانتباه بوجود بديل كما يروج له في وسائل الإعلام، بل هي بناء رصين لعلاقات تتكيف مع الواقع العالمي، وتسعى للاستفادة من قدرات كل الأطراف، بما يضمن النماء والتقدم الاقتصادي، إضافة إلى تعزيز الأمن الاستراتيجي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة