يسدل الستار هذا الأسبوع على دور الرئيس الأميركي باراك أوباما في الأمم المتحدة، حيث يشارك في اجتماعات الجمعية العامة للمنظمة الدولية للمرة الأخيرة رئيًسا للولايات المتحدة. وبعد 7خطابات أمام الجمعية العامة، يلقي أوباما اليوم (الثلاثاء) خطاب الوداع.
يسدل الستار هذا الأسبوع على دور الرئيس الأميركي باراك أوباما في الأمم المتحدة، حيث يشارك في اجتماعات الجمعية العامة للمنظمة الدولية للمرة الأخيرة رئيًسا للولايات المتحدة. وبعد 7خطابات أمام الجمعية العامة، يلقي أوباما اليوم (الثلاثاء) خطاب الوداع.
وبهذا الخطاب، الذي يأتي قبل 7 أسابيع من انتخابات الرئاسة الأميركية، يحاول أوباما أن يصبغ على سياساته الدولية صبغة النجاح، رغم الإخفاقات في ملفات حساسة؛ أهمها الحرب في سوريا وتصعيد بيونغ يانغ النووي.
في خطابه الأول أمام الجمعية العامة عام 2009 ،قال أوباما إنه يعي «التوقعات العالمية العالية» حول توليه الرئاسة، ولكن «هذه التوقعات ليست مرتبطة بي شخصًيا بل متجذرة بعدم ارتياح (العالم) مع الوضع الراهن الذي جعلناُنعرف بحسب اختلافاتنا.. ولكنها (التوقعات) أيًضا متجذرة بالأمل – الأمل بأن التغيير الحقيقي ممكن وأن الولايات المتحدة هي التي ستقود هذا التغيير». واليوم لا يوجد شك في أن التطلع للتغيير والأمل اللذين رافقا فوز أوباما بالانتخابات قد تلاشيا.
ومن القضايا الأساسية التي وعد أوباما بأنه سيعمل على حلها دفع عملية السلام في الشرق الأوسط وتحقيق حل الدولتين. أكد أوباما عاًما تلو آخر أن هذه القضية من أولويات رئاسته، وبعد أن أخذ موضوع السلام حيًزا مهًما في الخطاب الأول أمام الجمعية العامة، باتت تتراجع المسافة المتاحة له في خطابات أوباما التالية، حتى أن الموضوع كله لم يذكر في خطاب العام الماضي.
ويصل الرئيس الأميركي إلى الأمم المتحدة هذا العام من دون أي مسار واضح للتوصل لهذا الحل، بل يأتي وقد وقع أوباما مذكرة تفاهم تاريخية تضمن تسليح إسرائيل حتى عام 2028 .وتكلف بلاده 39 مليار دولار.
وبالطبع عملية السلام تحتاج إلى حكومة إسرائيلية تريد السلام ولكن الإدارة الأميركية أخفقت في تقريب المسافة البعيدة عن السلام.
أما جهود مكافحة الإرهاب، التي تعتبر من ركائز السياسة الأميركية، فنتائجها مختلطة؛ بين مواصلة أوباما لسياسة سلفه جورج دبليو بوش بالاعتماد على ضربات جوية من باكستان إلى ليبيا، وانتشار «داعش» وتمركزه في الموصل والرقة، ثم فشل إغلاق معسكر «غوانتانامو» رغم جهود أوباما. وربما الجديد الذي طرأ على سياسات أوباما هو اتفاق مشبوه مع روسيا لـ«مكافحة الإرهاب» رغم إقرار مسؤولين في إدارته بدور روسيا في السماح بانتشار الإرهاب بسبب سياساتها في سوريا، ومنع توصيل المساعدات للسوريين ومعاناتهم، وهي حقائق تلقي بظلالها الثقيلة على أي نجاح سيحاول أوباما أن يتحدث عنه في إطار الهدنة الهشة في سوريا.
ويتحدث أوباما اليوم أيًضا حول أزمة اللاجئين، لكن من دون طرح حلول للمشاكل الأصلية التي تدفع اللاجئين لترك أوطانهم.
ومن اللافت أن الاجتماع الثنائي الوحيد المعلن عنه مسبًقا بين أوباما وزعيم عربي على هامش اجتماعات الجمعية العامة، هو مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، إذ يريد أوباما أن يركز على التعاون مع الحكومة العراقية لمكافحة الإرهاب، من دون التمعن في الواقع العراقي المتعثر.
وقد دخل فريق أوباما المسؤول عن الإعلام والتواصل الاستراتيجي في مرحلة «تخليد» صورة الرئيس الأميركي ورسم تصور عن رئاسته. وسيروجون لخطابه اليوم ضمن سلسلة خطوات لبناء تلك الصورة.
و«النجاحات» التي يشدد عليها المسؤولون الأميركيون تركز على «مد اليد» لأعداء سابقين، على رأس ذلك إبرام الاتفاق النووي الإيراني بالدرجة الأولى وإعادة العلاقات مع كوبا. ولكن من سوريا إلى تونس، يترك أوباما إرًثا مضطرًبا حول موقع الولايات المتحدة كقوة عالمية. أيًضا من غير المتوقع أن يتعمق أوباما في خطابه في الإجابة عن التساؤلات حول سياساته في هذه القضايا؛ فبحسب نائب مستشار الأمن القومي الأميركي بن رودز، سيتحدث أوباما عن «ضرورة مكافحة تغير المناخ وإعادة تنشيط نظام منع انتشار التسلح الدولي، ومواجهة الأزمة الاقتصادية ودعم التنمية المستدامة، بالإضافة إلى تقوية بعض القدرات داخل نظام الأمم المتحدة للتعامل مع التحديات» الدولية. ولا يمكن تجاهل نجاح أوباما في هذه المجالات، خاصة بعد توقيع الصين والولايات المتحدة بداية الشهر على اتفاق باريس بشأن المناخ، بالإضافة إلى إخراج أوباما بلاده من الركود الاقتصادي الذي كان من الممكن أن يهدد اقتصاد العالم. ولكن التحديات الأكبر، وخاصة ما يتعلق بالشرق الأوسط، ستكون مضطرة للانتظار لحين تسلم الإدارة الأميركية المقبلة.
وعلى بعد ميل واحد من مقر الأمم المتحدة، يفتتح الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون غًدا (الأربعاء) اجتماعات «مبادرة كلينتون الدولية» لتغيب عنها زوجته المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأميركية هيلاري، سعًيا لتهدئة من يتهمها بدمج المصالح الشخصية بالمصالح العامة. وربما تكون اجتماعات هذا العام الأخيرة للمبادرة قبل أن تصبح كلينتون هي من يلقي خطاب بلادها أمام الجمعية العامة. وحينها، سيتحول إرث أوباما ليكون إرثها إن لم تتحمل مسؤولية بلادها تجاه الدمار الذي تخلفه السياسات المترددة.
نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة