منذ أيام شبابنا، وطوال سنين عمرنا ونحن نتغنى بالحلم العربي، حلم كنا نراه على بعد ليلة نوم سعيدة وسنفيق بعدها وقد تحقق، ولم نكن نعلم بأنه كابوس يلازمنا طوال هذه السنين، وبأننا قد فشلنا في تحقيق حلمنا بحل قضية فلسطين، وإيجاد بيئة حياة آمنة لأطفال يُقتلون بن
منذ أيام شبابنا، وطوال سنين عمرنا ونحن نتغنى بالحلم العربي، حلم كنا نراه على بعد ليلة نوم سعيدة وسنفيق بعدها وقد تحقق، ولم نكن نعلم بأنه كابوس يلازمنا طوال هذه السنين، وبأننا قد فشلنا في تحقيق حلمنا بحل قضية فلسطين، وإيجاد بيئة حياة آمنة لأطفال يُقتلون بنيران الاحتلال، وإنهاءً للخلافات العربية العربية، والعربية الغربية.
بعد فشلنا في تحقيق الحلم في العالم العربي تحولنا إلى الضمير العربي فاستمرت صدمتنا بمشاهد الأطفال القتلى، وما زاد الحمل على الكاهل أنه أتى ليوقظ ضمائرنا النائمة، ويلقي باللوم على سباتنا وسكوتنا عن الظلم، ومع ذلك فالضمير مازال نائماً، ليس لأنه متحجر بل لأنه متخبط بالواقع، وغير قادر أن يحرك ساكناً.
كانت قضيتنا فلسطين وأصبحت اليوم دول، وكان وجعنا «محمد الدرة»، فصار اليوم «إيلان وعمران» وغيرهم، ولا أستبعد أن تلحقهم أرواح بريئة ليس لها ذنب إلا أنها صدّقت الحلم فأفاقت على كابوس، ونتساءل لماذا فشلت أحلامنا؟! ولم تستيقظ ضمائرنا؟!
ولو أن الجواب تأخر كثيراً إلا أننا يجب أن نتعرف إليه، فالسبب الوحيد هو أن أحلامنا غير واقعية، وليست ضمن خطة عمل وأهداف محددة، إنما هي ردة فعل وشعور بعد مشاهدة صورة لطفل عربي دماؤه سائلة، أو عيونه قد أتعبها البكاء.
بعد أن يئسنا من تحقيق حلمنا في العالم العربي وفشلت محاولاتنا لإنعاش ضميرنا العربي، وجد البعض أن الحل يكمن بالربيع العربي، لكن سرعان ما تحول الحل إلى نكسة قصمت ظهر البعير، وأصبح الربيع خريفاً وتخريفاً، ولا يوجد تحليل منطقي يعرفنا بأسباب هذا الفشل.
سنبقى نبكي ورغم ذلك لن نتوقف عن القتال، ونتألم ولن تتوقف خلافاتنا، ونتحسر أو نمجد ماضينا حتى ننسى حاضرنا ومستقبلنا، فهكذا جرت العادة، فشعوبنا العربية عاطفية غير عقلانية، وتتأثر سريعاً بأي مشهد عابر فتبكي حاله وحالها، والإنسان لحظة البكاء لا يستطيع أن يرفع رأسه ويرى صورة نقية، فدموعه ستستحيل حاجزاً بينه وبين الحل، وبهذا لن يستطيع الخروج من الأزمة.
بعد أن تعودت شعوبنا على «المُسَكِّن» اتجهت اليوم إلى استعمال «المخدر الموضعي»، فكلما حصلت مصيبة أو حادثة تأخذ جرعتها المخدرة سواء بالخروج إلى الشارع أو بكتابة مقال أو قصيدة، وإن كانت لدينا خطة فستتجه نحو مجموعة من الفنانين (مشكورين) للاجتماع في أوبريت عربي، ونتغنى بنكسة جديدة وبفشل جديد، لكن أن نجلس جلسة حوارية، وعصف ذهني، والتخطيط ومن ثم العمل فلن يحدث ذلك.
مشكلتنا الأساسية هي غياب الأهداف، سواء على المستوى الشخصي أو المؤسسي أو الحكومي، وإن كان الواقع مؤلماً، فمن الألم يجب أن نصنع أنفسنا، ولننظر إلى تجارب الشعوب الأخرى، فها هي اليابان تعاني كوارث طبيعية متلاحقة، وعلى الرغم من ذلك تخطط للمستقبل، ولديها اقتصاد قوي جداً، والحمد لله منطقتنا لديها استقرار جيولوجي، ورغم من أنها مستقرة لكننا تعودنا البكاء على حظنا ومصيبتنا طوال عمرنا.
وأبداً لا أقصد التشاؤم في كلماتي إنما أقصد أن يكون حلمنا واقعاً ملموساً، وخطة مستقبلية، وأن يكون ضميرنا مستيقظاً من أجل البشرية، وأن نرسم قراراتنا ومنهجنا وصولاً إلى تربيتنا بأن الحلم الوحيد الذي سنسعى إليه هو أن نبني هذه الأرض بالعلم والمعرفة، وأن نعلم بأن صراعاتنا ما هي إلا تطرف، وخلافاتنا تخلف، ولنخرج من صدى الكلمات فصداها قصير، ولنتحول إلى الأفعال فمداها طويل.
علينا أن نعمل لمستقبل واضح لمن يخلفنا فهكذا نجح العالم، وأن تكون خطتنا لألف سنة مقبلة وليس ليوم فقط، وأتحدث هنا عن المستويين الشخصي والحكومي، وحقيقة أنا أشكر قياداتنا على ما تبذله من جهود للخروج بمستقبل يليق بأبنائنا، ونظرتها المستقبلية، وأنها استطاعت الخروج من الحلم إلى العمل، ومن التنظير إلى التطبيق.
دولتنا، أنموذج مميز ومختلف وهي استثناء في هذا الواقع، إذ لم تصنع ما أنجزته بالحلم فقط، ولا بالتخطيط العقيم، إنما بالفعل والعمل، فهذا منهج العظماء، وهذا سر النجاح الذي يبحث عنه الجميع، فلنتصالح مع أنفسنا ومع واقعنا ومع غيرنا، ونبدأ البناء من جديد، فلن تكون مصيبتنا وحالنا بالقدر الذي كانت عليه اليابان إبَّان الحرب العالمية الثانية.
لكن استطاعت خلال 20 عاماً أن تحول الأرض التي لم تعد صالحة للزراعة جرَّاء قنبلة «هيروشيما» إلى أرض صالحة للصناعة، وعلينا أن نتعلم كيفية تغيير الوجهة في الوقت المناسب.
وجهة العرب المقبلة يجب أن تكون نحو الهدف العربي، فاتركوا عنكم يا عرب صراخ الأطفال، وبكاء النساء، فلن تفيدوهم بعواطفكم إنما بسواعدكم، ابنوا فيهم عقولاً تحب الحياة، وأفهموهم أن الله خلقنا لعمارة الأرض، وحدثوهم قبل النوم عن الحياة على المريخ، ولا تخبروهم عن قصة «ليلى والذئب»، وبأن القوي يأكل الضعيف، ولا تقولوا لهم إن العرب أخوة قبل أن تفهموهم معنى الأخوة.
لننزع من قلوبنا وعقولنا حلمنا العربي أو نؤجله على الأقل، ونحول وجهتنا نحو العمل مكرسين جميع مقوماتنا ووسائلنا من أجل إيجاد «الهدف العربي»، فبه سنتمكن من تحقيق أحلامنا، وحينها لن نحتاج إلى أن تستيقظ الضمائر؛ لأن ما يجب أن نكون عليه وقتها بأن لنا كيان وسيادة القانون، وهي من ستقف بوجه الضمائر النائمة.
نقلًا عن صحيفة البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة