هل يمكن لعالم يائس من أمن الطاقة أن يواجه تغير المناخ؟.. مفاجآت
وضعت دراسة صادرة عن مجموعة شل العالمية، سيناريوهات مستقبلية لتعامل العالم مع أمن الطاقة وأزمة تغير المناخ، حملت العديد من المفاجآت.
تنظر أحدث السيناريوهات الصادرة عن مجموعة "شل" العالمية، المالكة لكبرى شركات الطاقة والبتروكيماويات في أكثر من 70 دولة، في العواقب المحتملة للأحداث العالمية الأخيرة، بما في ذلك الغزو الروسي لأوكرانيا، وتأثيرها على مكافحة العالم لتغير المناخ.
مع تعافي العالم من جائحة كوفيد-19، أصبحت البلدان تواجه بالفعل مجموعة من الظروف الصعبة، كالتقشف، وارتفاع أسعار الطاقة، وتزايد التوترات الأمنية.
جاء الغزو الروسي لأوكرانيا بعد ذلك، ليصبح سبباً في تضخيم العديد من هذه التحديات ووضع الأمن على رأس الأجندة العالمية، بعدما هيمنت العقلية الأمنية على العالم.
يدخل العالم في مرحلة انتقالية متسارعة ولكنها تنافسية على نحو متزايد لتحقيق الأمن بكافة جوانبه، بما في ذلك الطاقة والاقتصاد والحدود والمناخ.
تستكشف سيناريوهات شل لأمن الطاقة كيفية تطور العالم في ظل مجموعات مختلفة من الافتراضات المبنية على نمذجة البيانات، وتحتوي على رؤى من كبار الخبراء في المجالات ذات الصلة، وتطرح السؤال التالي: "هل يمكن لعالم يائس من أمن الطاقة أن يواجه التحدي طويل المدى المتمثل في تغير المناخ؟".
- قمة نيروبي.. تمويل المناخ والانتقال العادل للطاقة "التزام عالمي"
- معقل ثورة العالم في الطاقة الخضراء.. أفريقيا تستعرض قوتها
نماذج الاستجابة الوطنية
تلقي الدراسة الضوء، في البداية، على طرق الاستجابة المتباينة لأزمة المناخ، بين دول العالم، من منظور التعامل مع ملف الطاقة، وذلك عبر تقسيم البلدان لأربعة نماذج، كل منهم له خصائص مختلفة:
تطلق الدراسة على النموذج الأول مسمى "حلم أخضر", وهو المتبع في دول الاتحاد الأوروبي، ويعتمد على التحول السريع من النفط والغاز، مع انخفاض الطلب على الطاقة.
تسعى هذه البلدان إلى تحقيق الأمن من خلال العمل الجاد على خفض استخدام الطاقة، وزيادة كفاءة استخدامها، وتعزيز توليد الطاقة المتجددة بشكل كبير.
تمتلك هذه البلدان ثروات ضخمة تجعلها قادرة نسبيًا على التعامل مع تقلبات أسعار الطاقة، ولكن اقتصاداتها المتقدمة واحتياطاتها المستنفدة من الطاقة تجعلها عرضة بشدة لفشل إمدادات الطاقة.
تسمي الدراسة النموذج الثاني بـ "الابتكار يفوز"، لأنه يعتمد على الحلول الجديدة والمبتكرة في تحول الطاقة، مع التسويق السريع، وهو ما يمكن رؤيته في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والإمارات العربية المتحدة.
تمتلك هذه البلدان الموارد الرئيسية وغالباً ما تكون مكتفية ذاتياً في مجال الطاقة، لذا هي ليست عرضة لفشل الإمدادات، ولكن أنظمتها السياسية معرضة بشكل خاص للتقلبات في أسعار الطاقة.
لن تشعر هذه البلدان بالتهديد على المدى القصير، كما أنها تستثمر بكثافة في الإبداع والبنية التحتية كحلول أطول أمدا لاحتياجاتها واحتياجات عملائها من الطاقة.
أما "سور التغيير العظيم", فهو النموذج الثالث، ويعبر بشكل رئيس عن الصين، التي تقود دفعة للبنية التحتية منخفضة الكربون.
يمكن لحجم اقتصاد الصين، واحتياطاتها الضخمة من الفحم، وحجم الاستثمارات التي تقوم بها في إمدادات الطاقة والبنية التحتية الخاصة بها، أن يعزلها عن المخاوف المتعلقة بالعرض والأسعار.
تتخذ الصين نهجا حذرا، إذ تدرك الحاجة إلى الابتعاد عن الفحم وتراقب بعناية تطورات سوق الطاقة العالمية.
تتطلع أيضًا إلى استخدام قوتها التصنيعية لبناء مكانتها كقوة عالمية للطاقة منخفضة الكربون.
فيما يشمل نموذج "راكبو الأمواج"، البلدان التي لا تنتج عادة كميات كبيرة من الطاقة، مما يجعلها عرضة لانقطاع إمدادات الطاقة وتقلبات الأسعار.
تبحث هذه البلدان عن شراكات مع الآخرين، ويحاولون الاستفادة من الفرص التي تتيحها تصرفات البلدان النموذجية الأخرى.
تنقسم دول هذا النموذج إلى نوعين: راكبو الأمواج الناشئون، مثل الهند، التي تتبنى التقنيات الجديدة بسرعة.
وراكبو الأمواج الصاعدون، ويشمل الاقتصادات الأقل نموًا في العالم، والتي تركز بشكل أكبر على إرساء الأسس الأساسية، مثل توسيع نطاق الوصول إلى مصادر الطاقة الحديثة.
سيناريوهان جديدان
في مؤتمر المناخ COP26 بغلاسكو 2021، اجتمع قادة العالم ووعدوا بشكل جماعي بتحقيق الهدف الممتد لاتفاقية باريس والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية.
مع ذلك، في غضون أشهر قليلة، تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في اضطرابات سياسية، ووجهت الأجندة العالمية نحو أمن الطاقة.
قبل الحرب، كانت المخاوف قائمة بالفعل بشأن النقص في إمدادات طاقة الوقود الأحفوري، ولكن بعدها أصبح واضحًا للجميع أن 80% من طاقة العالم لا تزال تأتي من النفط والغاز والفحم.
في أعقاب مؤتمر المناخ COP27 في شرم الشيخ، 2022، سيطرت العقلية الأمنية على العالم أكثر، وأصبحت المصالح الوطنية لها الأولوية في الأجندات السياسية.
تتشكل هذه الأجندات من خلال أسعار الطاقة، والمخاوف المتعلقة بالإمدادات، والضغوط المناخية المتزايدة.
في هذا المشهد، يصبح التوتر واضحاً بين ما وعد به العالم في غلاسكو وما يتعين على الدول أن تفعله لتهدئة المخاوف المباشرة المتعلقة بالطاقة، فيما بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
ينشأ من هذه الاضطرابات سيناريوهان، أطلقت الدراسة عليهما مسمى "الأرخبيلات" و"سكاي (السماء) 2050".
يسعى سيناريو الأرخبيلات إلى اتباع مسار محتمل من حيث وقف العالم في عام 2022، بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.
بينما يتخذ سكاي 2050 نهجا معياريا يبدأ بالنتيجة المرجوة ويعمل إلى الوراء لاستكشاف كيفية تحقيق هذه النتيجة.
المستقبل الذي يهدف إليه سكاي 2050، هو عالم يحقق شيئين رئيسيين: صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050، والحد من الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.
الأرخبيلات
في سيناريو الأرخبيلات، تصبح العقلية الأمنية المذعورة من نقص امدادات الطارقة، السائدة اليوم، راسخة في جميع أنحاء العالم بمرور الوقت، وتتحول المشاعر العالمية تدريجيا بعيداً عن إدارة الانبعاثات، ونحو أمن الطاقة.
على الرغم من هذا التحول، فإن الدافع نحو أمن الطاقة لا يزال يتضمن الاستخدام الأكبر للتكنولوجيات المنخفضة الكربون.
تُترجم هذه الديناميكيات إلى العمل على بلوغ الانبعاثات العالمية ذروتها في عشرينيات القرن الحالي، على أن تنخفض اعتبارًا من منتصف ثلاثينيات القرن الحالي.
يتسارع تحول الطاقة مقارنة بسيناريوهات ما قبل حرب أوكرانيا، التي حددت مسار انتقال متأخر وبطيء.
تنمو النزعة القومية التي تدعمها النزعة العسكرية المتجددة، وخاصة في تلك المناطق التي تمتد بين منطقتين من النفوذ.
تبين أن الحرب حول ما إذا كانت أوكرانيا تنتمي إلى أوروبا أو روسيا هي نموذج يمكن أن يحتذى به من البلدان والأقاليم الأخرى المتنازع عليها.
في كثير من النواحي، سيشبه النظام الجيوسياسي في ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين، عالم تحالفات القوى في القرن التاسع عشر، وسيختلف نوعًا ما عن مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
نتيجة لذلك، ستتلاشى أهمية الاتفاقيات العالمية في ظل سيناريو الأرخبيلات، بما في ذلك التعهدات بدعم أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة واتفاق باريس بشأن تغير المناخ.
ستمتد المنافسة بين الدول إلى العديد من جوانب الحياة، وتؤدي إلى سباقات تكنولوجية متعددة، بما في ذلك ما يتعلق بتقنيات الطاقة الجديدة.
بحلول عام 2040، سيتطور عالم تجاري متعدد الأقطاب مع منافسة شرسة على التجارة مع الهند وبعض الدول الأفريقية وأمريكا اللاتينية.
بدلا من العمل معا لمعالجة تغير المناخ، ستسعى مجموعات من الدول إلى تأمين إمدادات الطاقة والتركيز على بناء القدرة على التكيف في مجال الطاقة لتحمل الصدمات المستقبلية.
في ظل هذا السيناريو، ستنخفض الانبعاثات على مدار القرن، مع وصول صافي الانبعاثات إلى مستوى الصفر في الأفق، ولكن لا يزال من غير الممكن تحقيق ذلك بحلول عام 2100.
سيظل متوسط درجة حرارة السطح العالمية يرتفع حتى عام 2100، لكنه يستقر عند حوالي 2.2 درجة مئوية مع اقتراب الانبعاثات من صافي الصفر.
سكاي 50
في سيناريو سكاي 2050، يشكل الأمن المناخي على المدى الطويل الركيزة الأساسية، مع أهداف محددة للوصول إلى صافي الصفر بحلول عام 2050، وفي نهاية المطاف الحد من ارتفاع متوسط درجة حرارة السطح العالمية عند 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2100.
تترجم الحرب في أوكرانيا إلى تقدم تدريجي في العمل المناخي خلال عشرينيات القرن الحالي، لكن هذا التقدم سيكتسب زخمًا نحو ثلاثينيات القرن الحالي.
سيحدث ذلك، لأن الحاجة إلى توفير بنية تحتية للطاقة منخفضة الكربون ستصبح ملحة في حد ذاتها، مدفوعة إلى حد كبير بالمخاوف الأمنية والأسعار.
ورغم صعوبة رؤية التقدم في البداية، فإن الانبعاثات ستبدأ في الانخفاض اعتباراً من عام 2025، وبحلول عام 2040، يصبح هدف صافي صفر انبعاثات في الأفق بوضوح.
سيتحول نظام الطاقة بسرعة أيضًا في ظل هذا السيناريو.
ستبدو المؤسسات الدولية، في البداية، غير فعالة في دعم اتفاق باريس، بينما تتشبث الدول بالسلوكيات النموذجية، مدفوعة بتعرضها لفشل إمدادات الطاقة أو تقلب أسعارها.
لكن سرعان ما يبدأ المواطنون أنفسهم في الضغط من أجل التغيير داخل بلدانهم ويسارعون إلى تبني تكنولوجيات جديدة لتحقيق الأمن البيئي.
سيتبنى السياسيون سياسات صديقة للمناخ لتأمين الدعم، وخاصة بين الشباب، وسرعان ما تتحول هذه السياسات إلى أولويات وطنية، ويصبح النجاح في تحقيق أهدافها مقياساً للقوة الوطنية.
في ظل سكاي 2050، ما كان من الممكن أن يستغرق التفاوض عليه عقوداً من الزمن، سيستغرق وقتاً أقل بكثير، حيث إن الدول والمدن والشركات الفردية "ستسعى إلى تحقيق الأهداف"، مع توقعات بوصول العالم إلى صافي الانبعاثات الصفرية في عام 2050.
على الرغم من هذا الإنجاز المتوقع في ظل سكاي 2050، سيشهد العالم فترة يرتفع فيها متوسط ارتفاع درجات الحرارة العالمية فوق 1.5 درجة مئوية من مستويات ما قبل الصناعة.
سيستمر العالم في بذل الجهد لإعادة هذه الحرارة إلى أقل من 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2075، ثم إلى حوالي 1.2 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.
قد يعتبر البعض هذا التجاوز المتوقع لهدف 1.5 درجة مئوية غير مقبول، ولكن، تشير الدراسة إلى أن أي مناقشة حول كيفية منع انتهاك 1.5 درجة مئوية يجب أن تتضمن إجراءات أكبر من التدابير الجوهرية بالفعل المنصوص عليها في سيناريو سكاي 2050، والتي قد لا تكون من الناحية الفنية مناسبة أو ممكنة..
اللافت أنه في ظل السيناريوهين المحتملين، الأرخبيلات وسكاي 2025، سيحتاج العالم إلى الاعتراف بدور تقنيات احتجاز الكربون وإزالته من الغلاف الجوي وتخزينه.
تعد الحاجة إلى تطوير هذه التقنيات وانتشارها بشكل واسع النطاق أمرا بالغ الأهمية لإدارة مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي والتعامل مع تجاوز ميزانية الكربون.
aXA6IDMuMTQ3LjY1LjExMSA= جزيرة ام اند امز