الطاقة النووية وتغير المناخ.. الحفاظ على أمل خفض الانبعاثات
التطبيقات النووية تقدم حلولاً غير تقليدية بمسارات التخفيف والتكيف
تتسبب الأنشطة البشرية في استنفاد موارد البيئة الطبيعية وتلويثها، وأدَّت إلى عواقب وخيمة، منها تغيُّر المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي.
وبالرغم من الجهود المبذولة للحد من الانبعاثات الحرارية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وما ينجم عنها من تغييرات مناخية تهدد مقومات الحياة على كوكب الأرض، أو للتكيف مع تداعياتها، فإن الممارسات غير الرشيدة إزاء النظم البيئية، والاستخدامات المفرطة للموارد الطبيعية، مازالت مستمرة.
ووسط كل هذه التأثيرات السلبية، يبقى هناك أمل في إيجاد حلول يمكن أن تعالج الأضرار الناجمة عن تلك الأنشطة، وتضع الكوكب على المسار الصحيح نحو التعافي، بعض هذه الحلول يعتمد، بشكل كبير، على ما يمكن أن تقدمه العلوم والتطبيقات النووية، سواء من خلال تخفيف حدة التغيرات المناخية، أو التكيف مع تأثيراتها السلبية.
يقول مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل ماريانو غروسي، إنه في الوقت الذي تتزايد فيه الكوارث الناجمة عن تغير المناخ، نتيجة حرق الوقود الأحفوري وإطلاق غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، فإن أولوية العمل المناخي، في الوقت الراهن، تتمثل في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والتكيف مع الظروف المستقبلية، التي تفرض مزيداً من التحديات أمام الكوكب.
البيانات الجيدة أساس القرارات السليمة
فعلى مدار عقود طويلة، ظلَّت العلوم والتكنولوجيا النووية جزءاً مهماً من الحلول المتعلقة بتغير المناخ، سواء في مجال التخفيف من حدة آثار تغير المناخ، أو التكيف معها، ومن الواضح أن العالم يحتاج إلى المزيد من الطاقة منخفضة الكربون، والمزيد من الفرص للتكيف، وهذا يعني أن العالم بحاجة إلى المزيد من العلوم والتكنولوجيا النووية.
يؤكد غروسي، بحسب بيان تلقته "العين الإخبارية"، أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تضطلع بدور مهم في هذا الصدد، معتبراً أن البيانات الجيدة هي أساس القرارات السليمة، ولذلك، فإن الكثير من العلماء ومتخذي القرارات يعتمدون على البيانات النظيرية الصادرة عن الوكالة، لقياس مدى التغييرات التي طرأت على الظروف المناخية لكوكب الأرض.
وتُعتبر المواد المرجعية، التي توفرها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بشأن انبعاثات غازات الدفيئة، هي المعيار العالمي لقياس مدى التطور فيما يتعلق بمستويات تغير المناخ، وتُستخدم في التحديد الكمي للانبعاثات الحرارية، وتحديد مصدرها، واقتفاء أثرها كذلك، بل واقتراح الطرق الملائمة للتعامل مع تلك التغيرات.
ويوضح مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن الوكالة تعمل، بالتعاون مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، على توسيع نطاق استخدام قياسات النظائر مع غازات الدفيئة في جميع أنحاء العالم، خاصةً في المناطق الأكثر تعرضاً للتداعيات الناجمة عن تغير المناخ، في أفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ وأوروبا وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي.
منع إطلاق 70 غيغاطن من ثاني أكسيد الكربون بغلاف الأرض
وتؤدي تطبيقات الطاقة النووية دوراً محورياً في مسار التخفيف، من خلال خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتشير بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أنه على مدار الخمسة عقود الأخيرة، أدى استخدام الطاقة النووية إلى الحيلولة دون إطلاق ما يزيد على 70 غيغاطن من غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي لكوكب الأرض.
كما تسهم تطبيقات الطاقة النووية في توفير أمن الطاقة على الصعيد العالمي، حيث ينتشر في أنحاء العالم حالياً، أكثر من 400 مفاعل، تعمل على تزويد العالم بما يزيد على ربع احتياجاته من الطاقة النظيفة، التي تتسم بأنها منخفضة الكربون، كما أن هناك أكثر من 30 دولة تعتمد على التطبيقات النووية لتدبير الجزء الأكبر من احتياجاتها من الطاقة، أو على الأقل لسد العجز في أمن الطاقة.
وفي إطار دعم الوكالة الدولية للطاقة الذرية للبلدان المختلفة، التي تسعى إلى إطلاق برامج تتعلق بالطاقة النووية، يؤكد غروسي أن الوكالة تزود هذه الدول بالمعارف اللازمة حول كيفية مساهمة الطاقة النووية في خفض انبعاثات الكربون، واتخاذ الإجراءات المناسبة بشأن المناخ.
وتضرب الوكالة مثالاً على ذلك بمحطة "براكة" للطاقة النووية في أبوظبي، وهي المشروع الأكبر في دولة الإمارات العربية المتحدة لخفض الانبعاثات الكربونية، ضمن خطة الدولة لتنويع قطاع الطاقة، حيث تسهم هذه المحطة في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة تصل إلى 23.5%، مقارنةً بالمستويات المعتادة، وذلك بحلول عام 2030.
وفي الآونة الأخيرة، وضمن جهودها في مسار التخفيف من حدة التغيرات المناخية، أطلقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مبادرة غير مسبوقة من نوعها، لتسريع عملية إنتاج الهيدروجين من الطاقة النووية، للمساعدة في خفض انبعاثات الكربون من القطاعات التي تعتمد على الوقود الأحفوري بشكل أساسي، مثل الصناعات الثقيلة ووسائل النقل.
تطبيقات الطاقة النووية في مسار التكيف مع تغير المناخ
وبينما يأتي مسار التخفيف من حدة التغيرات المناخية، عن طريق خفض الانبعاثات في مقدمة أولويات عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن العلوم والتطبيقات النووية يمكن أن تقدم أيضاً مجموعة من الأدوات والحلول في مسار التكيف مع التداعيات الناجمة عن تغير المناخ.
ففي ظل موجات الجفاف الشديدة، التي تعاني منها كثير من الدول العربية والأفريقية، نتيجة العجز الشديد في الموارد المائية، يمكن للتطبيقات النووية والنظيرية أن تسهم في وضع برامج للإدارة الرشيدة لموارد المياه وحمايتها، من خلال تكنولوجيا "الهيدرولوجيا النظيرية"، للتأكد من استدامة المياه المستخرجة لأغراض الزراعة أو الشرب أو الصناعة، عن طريق قياس نسبة النظائر الموجودة بها.
وأطلقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو"، من خلال مكتبها الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا، برنامجاً لدعم عدد من الدول بمنطقة الشرق الأوسط، من أجل تحسين ممارسات إدارة التربة والمياه والمحاصيل، باستخدام التقنيات النووية والنظيرية.
إسهامات الطاقة النووية في التصدي للمشكلات البيئية
كما يمكن لتطبيقات الطاقة النووية المساهمة في التصدي لعدد من المشكلات البيئية في أنحاء العالم، ومنها مشكلة المخلفات البلاستيكية، التي باتت تؤرق العالم، مع تسرب ما يزيد على 8 مليارات طن من هذه المواد إلى مختلف النظم البيئية، سواء البرية أو البحرية، منذ منتصف القرن الماضي، وبدأت في التأثير على السلسلة الغذائية لكثير من الأنواع، بمن فيهم البشر.
وفي ظل صعوبة استخدام الأساليب التقليدية في إعادة تدوير الجزء الأكبر من المخلفات البلاستيكية، بدأ العلماء في كثير من الدول، من خلال التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في استخدام التطبيقات النووية لإيجاد حلول غير تقليدية لهذه المشكلة، بالاستعانة بالتكنولوجيا الإشعاعية.
وأطلقت الوكالة مؤخراً مبادرة لتسخير التكنولوجيا النووية في مكافحة التلوث بالمواد البلاستيكية، أطلقت عليها اسم "نيوتك NUTEC"، وتدعم أساليب متخصصة للتمكن بدقة من تعقُّب وقياس حركة وتأثيرات المواد البلاستيكية الدقيقة، وغيرها من المواد المتسببة في التلوث.
تسمح هذه المبادرة بتحديد حالة واتجاهات المواد البلاستيكية، وتقييم مسارات التراكم الأحيائي لمخلفات البلاستيك، وتأثيراتها في الحيوانات البحرية، ووضع سيناريوهات المخاطر باستخدام هذه المعلومات، من أجل اتخاذ القرارات الملائمة بشأنها، بالإضافة إلى زيادة فرص إعادة تدوير المواد البلاستيكية.
aXA6IDE4LjIxNi41My43IA==
جزيرة ام اند امز