أهم ما انطوت عليه هذه القمة في تقديري هو ما يمكن أن أسميه بـ"الرسائل الخليجية" التي تضمنتها، وأُولَاها ما أكده نجاح الرياض في الإعداد لهذه القمة وإنجاح فعالياتها، رغم الصعوبات.
تركزت أنظار العالم خلال الأيام القليلة الماضة على المملكة العربية السعودية الشقيقة، التي استضافت وترأست أعمال الدورة الخامسة عشرة لقمة قادة مجموعة العشرين (G20)، التي تعد التجمع الأكبر والأهم لقادة أكبر الاقتصادات العالمية والمنتدى الرئيسي للتعاون الاقتصادي العالمي؛ حيث تضم دول هذا التكتل ثلثي عدد سكان العالم، وتستحوذ على 77% من إجمالي التجارة الدولية.
ولا نبالغ أو نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إن قمة هذا العام التي أعدت لها واستضافتها الرياض افتراضيًّا بكفاءة واقتدار هي الأهم والأكثر تحدياً وصعوبة في تاريخ قمم المجموعة على الإطلاق، والسبب هو التحديات غير المسبوقة التي فرضتها جائحة "كوفيد-19" على الاقتصاد العالمي، والتي دفعت هذا الاقتصاد إلى حالة من الركود والاضطراب وُصفت بأنها الأسوأ منذ مرحلة الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، وهو ما وضع الرياض في اختبار ربما لم تواجهه أي دولة من دول العشرين التي استضافت اجتماعات هذه القمم من قبل، ولاسيما مع ما رافق هذه الأزمة من انغلاق وطني من قبل معظم الاقتصاديات العالمية على نفسها، ودخول بعضها في ملاسنات وصراعات كانت تهدد إمكانية قيام تعاون دولي حقيقي لمواجهة التحديات الخطيرة لهذه الجائحة على الاقتصاد العالمي.
لكن المملكة العربية السعودية أثبتت كفاءتها واقتدارها على تولي زمام المبادرة وقيادة دول المجموعة في أصعب الظروف التي تمر بها، حيث جنّدت كل إمكانياتها من أجل جمع قادة المجموعة وتوحيد الجهود الدولية لمواجهة هذه الأزمة العالمية الخطيرة، فدعت في وقت مبكر لاجتماع استثنائي افتراضي لقمة دول المجموعة برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز في مارس الماضي، نجحت من خلاله في تنسيق الجهود الدولية والخروج بالعديد من القرارات المهمة لمواجهة هذه الأزمة والحد من تداعياتها الصحية والاقتصادية على دول العالم وشعوبه، ولاسيما الفقيرة، ومعالجة اضطرابات التجارة الدولية التي سببتها.
وقبل أيام، استضافت المملكة الاجتماع الافتراضي لقادة دول المجموعة، والذي خلص بالفعل إلى العديد من النتائج المهمة، ولاسيما لجهة تأكيد القادة التزام دولهم بقيادة العالم نحو التعافي بعد جائحة كورونا، وإقرار مبادرة تعليق مدفوعات خدمة الدين حتى يونيو 2021، والتي سيستفيد منها أكثر من مليار إنسان في الدول المدينة، وتعهّدهم ببذل كل الجهود لضمان وصول لقاحات فيروس كورونا المستجد إلى الجميع بطريقة عادلة وبتكلفة ميسورة، وغيرها من القرارات المهمة التي أكدها البيان الختامي للقمة.
ولكن أهم ما انطوت عليه هذه القمة في تقديري هو ما يمكن أن أسميه بـ"الرسائل الخليجية" التي تضمنتها، وأُولَاها ما أكده نجاح الرياض في الإعداد لهذه القمة وإنجاح فعالياتها، رغم صعوبة الظروف التي عقدت فيها وتعقيداتها، من قدرات كبيرة للمملكة بشكل خاص، ودول الخليج بشكل عام، على تنسيق الجهود العالمية وقيادتها في مواجهة الأزمات الكبرى، وهو الأمر الذي يؤكد المكانة الدولية التي أصبحت تحظى بها المملكة، ودول الخليج بشكل عام على المستوى الدولي.
الرسالة الثانية، هي تأكيد قادة دول الخليج المشاركين في القمة، ممثلين بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد رعاه الله، حرص دولهم على القيام بدور فعال ورئيسي في دعم الجهود الدولية للتصدي للوباء ولكافة الأزمات الدولية والمساهمة في مختلف أوجه التعاون والتنسيق الدولي للتعامل معها، وهو ما يوضح الدور الإيجابي البنَّاء الذي باتت تقوم به دولنا الخليجية في العمل على تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية وليس فقط في منطقتنا بل في العالم كله.
الرسالة الثالثة، هي رسالة أمل وتفاؤل لكل شعوب المنطقة، فقيادة السعودية لدول مجموعة العشرين كأول دولة عربية تتولى هذا الدور القيادي بنجاح، واستعداد الإمارات لاستضافة فعاليات "إكسبو دبي" العام المقبل، كأول دولة عربية وإقليمية تستضيف فعاليات هذا المعرض العالمي، يوجهان رسالة أمل لكل شعوب المنطقة، بأن منطقتنا ليست فقط مكاناً للتوترات والأزمات، ولكنها أيضاً مكان لقيادة العالم نحو آفاق أرحب من التعاون والتنمية والرخاء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة