حديث ترامب عن البحث عن اتفاق شامل ومستدام يأتي عن قناعة أمريكية بأنها لا بديل عن الاتفاق، في ظل استدارة أمريكا نحو شرق آسيا.
قبل الحديث عن تأثير قرار ترامب في 8 مايو 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي على إيران وعلى منطقة الشرق الأوسط، لا بد من قراءة هذه الخطوة الأمريكية، فالمتابع لقرار ترامب يجد أنه ليس قراراً نهائياً، فهو لم يغلق الباب أمام إيران، ولذلك نجد أن حديث ترامب عن البحث عن اتفاق شامل ومستدام يأتي عن قناعة أمريكية بأنها لا بديل عن الاتفاق في ظل استدارة أمريكا نحو شرق آسيا خاصة، وكذلك يأتي كمحاولة من قبل ترامب لإحداث توازن بين الموقف الأمريكي والموقف الأوروبي، الذي أكد التزامه بالاتفاق النووي وطرح من قبل عبر فرنسا إمكانية تعديل الاتفاق النووي، أو إضافة ملحق لتقييد أنشطة إيران في المنطقة.
عند الحديث عن أهمية الاتفاق مع إيران للاستراتيجية الأمريكية الرامية إلى الاستدارة نحو شرق آسيا نجد أن هناك ثلاثة أهداف تعزز ضرورة وجود مثل هذا الاتفاق بالنسبة لأمريكا؛ أولاً الحاجة لتأمين مضيق هرمز، الذي يعد ممراً ملاحياً مهماً لتجارة النفط العالمية، وضمان عدم عودة الاستفزازات الإيرانية في المضيق، وهو هدف صعب لواشنطن في ظل تخفيف وجودها العسكري في المنطقة.
ثانياً المكانة الاستراتيجية لإيران في ظل التنافس الدولي بين روسيا وأمريكا على مصادر الطاقة في بحر قزوين، في حين يتطلع العملاق الصيني إلى الاستفادة منه، باعتبارها قريبة منه نسبياً وتؤمن له مستقبلاً من المصادر الإضافية للطاقة، كما أن خطوط الأنابيب التي تمر عبر إيران الأفضل من الناحية التجارية، وهو ما جعل الشركات الأمريكية تعمل في السابق على الضغط على مركز القرار السياسي، من أجل إحداث تغيير في الموقف من إيران، والتخفيف من معارضة مشروعات الأنابيب التي تمر عبر إيران.
تعوّل إيران ما بعد الاتفاق النووي كثيراً على الاتحاد الأوروبي، من أجل الحفاظ على الاتفاق النووي، الذي أعطاها الكثير من المزايا والفرص الاقتصادية، وأيضاً هذا الاتفاق الغامض في جوانبه السياسية ولم يعمل على تقييد أنشطتها في المنطقة وفر لها فرصة لتحقيق مكاسب سياسية لتغذية نفوذها في المنطقة، مستفيدة بذلك من الانفتاح الدولي عليها، وتوظيف العائد الاقتصادي في مشروعاتها التوسعية في منطقة الشرق الأوسط، ومن جهة أخرى نجد أن تعويل إيران على الاتحاد الأوروبي يأتي أيضاً في إطار ضمان المزيد من الانفتاح الدولي عليها، وهو ما يخدمها اقتصادياً وسياسياً.
على الرغم من أن بقاء الاتحاد الأوروبي والتزامه بالاتفاق النووي قد قلل من أهمية تأثير القرار الأمريكي تجاه إيران، فإن القرار الأمريكي جاء ليؤسس مرحلة جديدة من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، يمكن النظر لتصريح ترامب بأن العقوبات قد لا تطال إيران لوحدها، بل سوف تطال دولاً أخرى متواطئة مع إيران.
الانسحاب الأمريكي الأحادي الجانب من الاتفاق وردة فعل الاتحاد الأوروبي تجاه الاتفاق النووي المغايرة لأمريكا، والذي أكد التزامه بهذا الاتفاق، يؤكد أن السياسة الأمريكية فقدت تأثيرها في الكتلة الغربية، ولم يعد تأثيرها سياسياً يمتد إلى السياسات الأوروبية، كما كان في عام 2003، وكذلك فإن موقف الاتحاد الأوروبي الذي كانت إيران تعول عليه كثيراً يجعل من تأثير القرار الأمريكي على إيران ليس بذاك المستوى المتوقع، خاصة أن طهران تعول كثيراً على العلاقة الاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي.
على الرغم من أن بقاء الاتحاد الأوروبي والتزامه بالاتفاق النووي قد قلل من أهمية تأثير القرار الأمريكي تجاه إيران، فإن القرار الأمريكي جاء ليؤسس مرحلة جديدة من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، فيمكن النظر لتصريح ترامب بأن العقوبات قد لا تطال إيران وحدها بل سوف تطال دولاً أخرى متواطئة مع إيران.
إن الاستراتيجية الأمريكية التي يسعى ترامب إلى انتهاجها هي استراتيجية -لا تركز فقط على إيران كدولة- تركز بشكل كبير على إيران في منطقة الشرق الأوسط، وهي خطوة يمكن القول فيها إن منطقة الشرق ما بعد 8 مايو 2018 قد لا تكون كما كانت ما قبلها، وهو ما يعني أن السياسات الضبابية لبعض الدول والمواقف الرمادية والتناقض في دعم الإرهاب من جهة والحديث عن مكافحته من جهة أخرى انتهت، وهو أمر سيكون من تبعاته إعادة صياغة الرؤية الأمريكية تجاه المنطقة، وبالدرجة الأولى تجاه حلفاء واشنطن قبل حلفاء إيران ممن ينتهجون مواقف رمادية وسياسات متناقضة، وهو ما يجعل الدوحة أولى الدول المتضررة، خاصة في ظل ما كشفته مؤخراً صحيفة واشنطن بوست عن دعم قطري للمليشيات الإيرانية من بينها الحرس الثوري الإيراني.
من هنا نجد أن القرار الأمريكي تجاه إيران قد لا يكون مؤثراً بالسقف العالي المتوقع، خاصة في ظل تمسك الاتحاد الأوروبي بموقفه تجاه النووي الإيراني، ولكن الموقف الأمريكي قد يكون تأثيره أقوى على إيران في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الدول الداعمة لمشاريعها الفوضوية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة