يمكن القول إن نهاية حكم الملالي تقترب، لأنهم فعلوا الشيء نفسه الذي فعله الشاه
من الأمور التي ظل المسؤولون في إيران يرددونها بفرح منذ انتصار الثورة، أن الأجهزة الأمنية التي أنشأها الشاه محمد رضا بهلوي لحمايته، مثل السافاك والركن 2 في الجيش وإدارة المباحث في الشرطة والإدارة العسكرية في طهران وغيرها، كانت وبالاً عليه ولم تنفعه كما كان يعتقد ويأمل، بل إن بعضهم ذهب إلى حد القول بأنه لو لم يوجِد الشاه هذه الأجهزة وخصوصاً السافاك -الذي أسسته ودربت عناصره الـ«سي آي أيه» وتسلمه فيما بعد وطوّره الموساد- لظل على العرش فترة أطول، لأن تلك الأجهزة وبسبب مضايقتها للمواطنين ومبالغتها في رصدهم وممارسة الظلم عليهم وفرت الأسباب التي جعلت الغالبية تستجيب للثورة وتشارك فيها.
بناءً على وجهة النظر هذه يمكن القول إن نهاية حكم الملالي تقترب، لأنهم فعلوا الشيء نفسه الذي فعله الشاه، فاليوم يتوفر في إيران الكثير من الأجهزة الأمنية ولكن بمسميات أخرى، كلها تقوم بعملية مراقبة ورصد المواطنين والتضييق عليهم، بل إنها تمارس أموراً لم تمارسها أجهزة الشاه؛ بدليل تزايد أعداد الكارهين لهذا النظام والعازمين على الإطاحة به بأي ثمن، وهو ما تأكد في المظاهرات التي عمّت كل مناطق إيران أخيراً، ووفرت المثال على أن ما يحمي النظام ليس هذه الأجهزة ولا أمثالها، ولكن عمل الإصلاحات التي تشعر المواطن الإيراني بأنه إنسان، وأن الدولة مسؤولة عنه ومعنية بكرامته.
ما يمارسه النظام الإيراني اليوم من مظالم، وانحيازه إلى فئة دون فئة، واعتباره المواطنين الإيرانيين الذين لا يثبت ولاؤهم له وغير الفرس أعداءً يستحقون الفناء، سيعجل من سقوطه رغم كل ما فعله ويفعله لحماية نفسه، ورغم كل أجهزته الأمنية التي يفاخر بها.
يُنسب إلى شاه إيران القول بأن «من يقترب من هذا الأخطبوط -السافاك- يعرّض نفسه للهلاك، حتى لو كان الشاه نفسه، في إشارة إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل تقفان وراء هذا الجهاز، واليوم يقول خامنئي ومن معه في السلطة كلاماً مشابهاً عن الحرس الثوري وغيره من الأجهزة الأمنية، فهؤلاء أيضاً يعتقدون أن هذه الأجهزة من القوة والخطورة ما يجعل المرء يتردد مليون مرة قبل أن يفكر في ارتكاب ما قد لا ترضى عنه السلطة.
يقولون إن ابتعاد نظام الشاه عن الناس وظلمهم قلّل من هيبة أجهزته الأمنية، وفشلت من ثم في حمايته رغم كل ما فعلته من أجله، ونقول إن ابتعاد نظام الملالي عن الناس وظلمهم وممارسة التمييز بينهم، والفساد الذي استشرى في إيران في عهدهم سيوصل إلى النتيجة نفسها، وسيسقط هذا النظام كما سقط نظام الشاه وما سبقه من أنظمة فاسدة، اعتبرت المواطنين أعداءها بدل أن تجعل منهم السند.
ما يمارسه النظام الإيراني اليوم من مظالم، وانحيازه إلى فئة دون فئة، واعتباره المواطنين الإيرانيين الذين لا يثبت ولاؤهم له وغير الفرس أعداء يستحقون الفناء، سيعجّل من سقوطه رغم كل ما فعله ويفعله لحماية نفسه، ورغم كل أجهزته الأمنية التي يفاخر بها، ورغم ترسانة الأسلحة التي صار يهدد بها مواطنيه ودول المنطقة.
الإيرانيون الذين خرجوا إلى الشوارع في الأيام القليلة الماضية، والذين لايزالون يخرجون ليعبّروا عن رفضهم للحال التي أوصلهم النظام إليها، لم ترعبهم السجون التي انتشرت في كل مناطق إيران، ولا يمكن لكل أجهزته الأمنية أن ترعبهم، فمن يصل إلى مثل هذه الحال لا يجد أمامه سوى الوقوف في وجه النظام والثورة عليه، والأكيد أنه وهو يفعل ذلك لا ينظر إلى كل تلك الأجهزة ولا إلى قوتها وجبروتها.
المسؤولون في نظام الملالي يقولون إنه كان بإمكان شاه إيران أن يمد في فترة توليه العرش لو لم ينشئ تلك الأجهزة الأمنية، والمواطنون الإيرانيون اليوم يقولون إنه كان يمكن لنظام الملالي أن يمد في عمره ويبقى في السلطة لسنين أخرى؛ لو أنه لم ينشئ تلك الأجهزة الأمنية التي يعتمد عليها في قمع كل من يفتح فمه ويجأر بالشكوى.
نقلا عن "الوطن البحرينية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة