المشروعات المؤدلجة تبدأ وهي معتمدة على قوة أفكارها والداعمين
النظام الإيراني لن تسقطه التظاهرات لأنه بُني وفق منهجيات معقّدة، تعتمد العنف والتسلط منذ أيامه الأولى فسجن «ايفين» ومئات الآلاف من الإعدامات يمكنها العودة مرة أخرى.
عند الحديث عن إيران تقفز إلى المقدمة مفاهيم مشتركة يرددها العالم كله دون استثناء مع اختلاف متوقع حول كيفية ترتيب هذه المفاهيم من حيث الأهمية، ولكن نحن في المنطقة الخليجية لا نستثني أياً من هذه المفاهيم، كونها بالنسبة لنا متساوية في التأثير: فإيران بالنسبة لنا وللعالم عنوانها السياسي هو ولاية الفقيه الذي أنتج الأفكار المرتبطة بولاية الفقيه التي جاءت مع ثورة الخميني في العام 1979م، وهذه الأفكار هي: تصدير الثورة، نشر الطائفية، دعم الإرهاب، التدخل في شؤون دول الجوار، العمل على تعزيز الدور الإيراني كشرطي المنطقة، ومحاولة امتلاك سلاح نووي وبناء مجال جيوسياسي يعتمد على المذهبية عبر فكرة إنشاء الهلال الشيعي.
هناك من قول يتردد بأن الخليج ليس لديه الأفكار المناسبة حول كيفية التعامل مع إيران وهذا كلام غير دقيق، الخليج بدوله لديه التاريخ الذي يشرح كيفية مسيرة هذه المشروعات، والصيغة التي سوف ينتهي إليها المشروع الإيراني، بغض النظر عن لحظات الخطر التي خلقها هذا النظام على المنطقة.
هذه المفاهيم تعاطتها المنطقة على مدى أربعة عقود مضت في حالة مراقبة لصيقة للوضع الإقليمي، ومع أن إيران حققت جزءاً من أهدافها المدمجة في منظومة هذه المفاهيم، فإن ذلك في الحقيقة لم يكن خطأ استراتيجياً من دول الخليج تحديداً، فمن كان يعتقد أنه كان من الواجب بناء مشروع استراتيجي عربي أو خليجي مضاد منذ الساعات الأولى لتولي الخميني، لم يكن يرى الصورة الكاملة؛ وقد يثير ذلك سؤالاً مهماً كيف يمكن لأحد أن يطلب أن تُترك الساحة لمثل هذا المشروع، ماذا لو نجحت إيران في تحقيق أهدافها..؟.
ولكن علينا أن نستدرك أن المشروع الإيراني تاريخياً ليس الوحيد في المنطقة الذي اتجه لنشر مفاهيم ذات أبعاد استراتيجية وأيديولوجية، المشروع الإيراني جزء من حركة تاريخية في المنطقة بدأت مؤشراتها بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية التي كانت تحتل المنطقة العربية، حيث مركزية الإسلام في العالم، ولعلنا نستعرض هنا فكرة الناصرية ذات النهج القومي، ومشروعات الإسلام السياسي، والبعث والقوميات المؤدلجة ومنظمات الإرهاب، كلها كانت تفكر بذات الطريقة التي يتبناها المشروع الإيراني، من وجهة نظري كلها لديها ذات المفاهيم مع اختلاف المصطلحات، وقضت سنوات طويلة ولكنها في النهاية ذابت في مشروعات سياسية وغيّرت الاتجاه وتحولت إلى مسارات أنتجت دول الثورات العربية كما في مصر وليبيا وسورية والعراق.
المشروعات المؤدلجة تبدأ وهي معتمدة على قوة أفكارها والداعمين، فتجد ثورة هذه الأفكار تصل إلى ذروتها في السنوات الأولى لهذه المشروعات ثم تتغير تدريجياً، بل والمشكلة الأكبر أن تبدأ هذه المشروعات المؤدلجة كما في المشروع الإيراني بالتورط بتلك الأهداف التي حققت بعضاً منها، السؤال المهم الآن حول الأسباب الظاهرة للثورات الإيرانية، الجواب أن الأسباب تبدو اقتصادية قد جاءت نتيجة طبيعية للمشروع الإيراني الذي يفكر منذ البداية بالتوسع على حساب الشعب الإيراني.
هناك من قول يتردد بأن الخليج ليس لديه الأفكار المناسبة حول كيفية التعامل مع إيران، وهذا كلام غير دقيق، الخليج بدوله لديه التاريخ الذي يشرح كيفية مسيرة هذه المشروعات والصيغة التي سوف ينتهي إليها المشروع الإيراني، بغض النظر عن لحظات الخطر التي خلقها هذا النظام على المنطقة.
سؤال أخير يقول لماذا كل هذه المراهنة على أن المشروع الإيراني يسقط في فخ التاريخ..؟ ، في الحقيقة أن هذه المراهنة تقوم على معطيات متعددة، فمثلاً هناك هوة كبرى تنشأ وبشكل تصاعدي بين الشعب الإيراني وبين منظومة ولاية الفقيه التي تحكم إيران، ثانياً: العزلة الإقليمية والدولية التي اكتسبتها إيران خلال العقود الماضية يصعب ردمها ببساطة. ثالثاً: الكثير من الدول طالها الأذى الإيراني بالتدخل في شؤونها بشكل مباشر أو غير مباشر. رابعاً: إيران خلال السنوات العشر الماضية أصبحت بمشكلاتها ومشروعها النووي قضية دولية، وأصبحت مفترق طرق للمصالح الدولية مما سوف يعزز النزاع فوق أجوائها سياسياً واقتصادياً وثقافياً وهذا لن يمنحها الاستقرار، فإيران قضية أميركية أوروبية روسية منذ عقد من الزمان؛ وحجم الصراع حولها يتصاعد ليس في الاتجاه الذي يخدمها.
النظام الإيراني لن تسقطه التظاهرات لأنه بُني وفق منهجيات معقّدة تعتمد العنف والتسلط منذ أيامه الأولى، فسجن «ايفين» ومئات الآلاف من الإعدامات يمكنها العودة مرة أخرى، ولكن هذا النظام سوف يذوب بطريقة مختلفة؛ فهذه الموجات المتكررة من التظاهرات التي يديرها الشعب الإيراني هي في حقيقتها تنتج صراعاً داخلياً في بنية النظام الإيراني، وليس توحداً بل تساهم في تضييق دائرة المنتفعين من النظام.
أسئلة كثيرة حول النظام الإيراني والمشروع الإيراني، ولكن من يعتقد أن إيران يمكنها أن تكون كوريا شمالية ولكن في الشرق الأوسط فهذا اعتقاد بحاجة إلى تفكير، المشروع الإيراني بأيديولوجيته يعيش المئة متر الأخيرة، وسوف تخضع إيران قريباً لعملية تجميل أيديولوجية يساهم العالم القوي في إجرائها، هكذا يتنبأ تاريخ المنطقة دائماً لمشروعاته السياسية.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة