رحلة تعويم الجنيه المصري في 10 سنوات.. ما هي الإيجابيات والمخاطر؟
يترقب خبراء الاقتصاد في مصر نتائج مفاوضات بعثة صندوق النقد الدولي التى تزور القاهرة حالياً للإقرار خطة الإصلاح الاقتصادي، وإتمام مفاوضات قرض الصندوق وزيادته من 3 مليارات إلى 8 مليارات دولار.
وتتضمن مفاوضات الصندوق الحديث حول الخطة الأمثل للتعامل مع ملف سعر الصرف، ما زاد من تكهنات تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار أو خفض قيمة الجنيه خلال الساعات المقبلة.
وتتصاعد أصوات اقتصادية تطالب بالتعويم باعتباره حلاً جذرية للأزمة الحالية والقضاء على الفجوة بين أسعار الصرف، ويتداول الدولار حالياً في البنوك عند 31 جنيها بينما يتداول في السوق الموازية عند 60 جنيها بفارق 100% . خلافاً لتاثيرات ذلك سلبيًا على العديد من التدفقات الدولارية من الخارج.
في التقرير التالي نرصد كافة تأثيرات التعويم السلبية والإيجابية والمخاطر
ماذا يعني التعويم؟
تعويم الجنيه أو تعويم عملة معينة هو تحرير سعر الصرف بالكامل، بما يعني عدم تدخل الحكومة أو البنك المركزي في تحديد سعر الصرف، ويعتمد تحديد السعر على العرض والطلب مقابل العملات الأجنبية، على رأسها الدولار.
التعويم قد يكون جزئياً أو حرًا
التعويم الحر يعتمد على سعر الصرف وفق آليات السوق الحر، العرض والطلب هما العاملان المحددان لسعره فقط، أما التعويم المدار أو الجزئي هو أن يترك سعر الصرف للعرض والطلب، بينما تتدخل الدولة والبنك المركزي في حالات الانفلات صعوداً أو هبوطا لضبط السوق من خلال عرض كميات أكبر من العملات مثلاً في حالات الصعود ليؤثر على حجم العرض بالزيادة أو العكس.
أول تعويم للجنيه المصري
كان أول قرار بتعويم الجنية المصري في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عام 1977 عندما سمح بعودة البطاقات الاستيرادية للقطاع الخاص وبدء الاقتراض من الغرب التى تحولت لاحقا إلى ما يسمي بديون نادي باريس، ومع عدم قدرة تحرير الموازنة العامة للدولة سنة 1977 حدثت محموعة من الأزمات في سعر الصرف وتحرك سعر الدولار رسميا إلى 2.5 جنيه بدلا من 1.25 جنيه.
- صندوق النقد.. توقعات بحصول مصر على القرض بدون تعويم الجنيه
- بعد فشل صفقة الاستحواذ.. «زي» الهندية تقاضي «سوني» اليابانية
التعويم الثاني للجنيه
في عام 2002 قررت الحكومة برئاسة الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء الأسبق، تعويم الجنيه المصري بتركه للعرض والطلب في السوق وفك ارتباط الجنيه بالدولار ما أدي لارتفاع سعر الدولار بعد القرار مباشرة إلى 5 جنيهات و50 قرشا، بعد أن لامس سقف 7 جنيهات.
واستقر سعر الدولار عند 6 جنيهات و20 قرشا في ذلك الوقت، مقابل 3 جنيهات و40 قرشًا في السابق.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أعلن البنك المركزي المصري تحرير سعر صرف الجنيه والتسعير وفقًا لآليات العرض والطلب، وإطلاق الحرية للبنوك العاملة بالنقد الأجنبي عبر آلية الإنتربنك الدولاري، ليصل الدولار عند الشراء بأعلى سعر إلى 14.50 وأقل سعر عند 13.5 جنيه.
في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أعلن البنك المركزي عن قرارات جديدة على رأسها، انعكاس سعر الصرف لقيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية الأخرى بواسطة قوى العرض والطلب في إطار نظام سعر صرف مرن دفع سعر الدولار في البنوك الى مستوى جديد عند 30.80 جنيها مقابل الدولار ، وذلك تدريجياً خلال فترة وجيزة.
للتعويم إيجابيات
من المعروف عالميًا أن للتعويم إيجابيات تتمثل في المحافظة على استقرار ميزان المدفوعات خاصة أن تعويم العملة يعني انخفاض أسعار الصادرات ما يزيد الطلب عليها، ما ينعكس أيضًا على سعر صرف العملة ويحقق التوازن في ميزان المدفوعاته ويسد العجز وفقا للدكتور محمد عبدالرحيم الخبير الاقتصادي.
وأضاف أن تعويم العملة يساهم في بعض الأحيان على تجنب ارتفاع الأسعار والتضخم، وربما يساهم في التحكم بالأسعار، مشيراً إلى أن خفض قيمة العملة وتعويمها يسمح بزيادة التبادل التجاري، ويمكن البنوك من تداول العملة دون أية قيود على عكس نظام سعر الصرف الثابت، إضافة إلى أن الدولة التي تتبع نظام تعويم العملة غير ملزمة بالاحتفاظ باحتياطي كبير من العملات الأجنبية في بنكها المركزي بل تستخدم هذا الاحتياطي في الاستيراد وتعزيز نموها الاقتصادي.
وتابع أن التعويم يوفر مرونة في مواجهة الأزمات الاقتصادية، خلافاً إلى أنه قد يسهم بشكل كبير في تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وأكد عبدالرحيم أن في الحالة المصرية هناك العديد من الصفقات الاستثمارية الكبري معلقة ومتوقفة حالياً في انتظار لموقف خفض وتعويم الجنيه، مشيراً إلى أن برنامج الطروحات الحكومية الذى يضم أكثر من 32 شركة مقرر بيع حصص منها أو طرحها في البورصة بينها 3 بنوك كبري يجري بشأنها مفاوضات متعثرة انتظاراً لاتضاح الرؤية.
مخاطر التعويم
في المقابل يقول الدكتور ماهر جامع أن هناك عدة مخاطر لعملية التعويم بينها تقلبات شديدة في سعر الصرف ما يؤثر في النمو الاقتصادي، وقد يؤدي إلى فقدان الدولة السيطرة على سعر صرف العملة في بعض الأحيان مثلما حدث في لبنان عندما قفز سعر الدولار الواحد إلى نحو 150 ألف ليرة .
واستبعد أن تقوم مصر بخطوة تعويم كامل لسعر الصرف، قائلاً إن الحكومة تتمسك بخطواتها الإصلاحية والاتجاه نحو استخدام سعر صرف مرن أو تعويم مدار يتم فيه التدخل وضبط الأسعار من خلال البنك المركزي أو الدولة.
ويتخوف البعض من الاتجاه لتعويم العملة باعتباره قد يخلق سوقا موازية للمضاربة على العملات، بما يؤثر على وجود سعرين صرف للدولار والعملات الأجنبية الأخري.
وقال الدكتور مصطفي بدرة الخبير المالي، إن التعويم قد يؤثر على الموازنة العامة للدولة بسبب اختلاف سعر صرف العملة ارتفاعا وانخفاضا، ما ينتج عنه عدم استقرار في الأسعار.
وأكد أن الحكومة تتريث في اتخاذ قرار بتعويم الجنيه المصرية، لاسيما أن الجاهزية للتعويم غائبة حتي الآن مع ارتفاع معدلات التضخم ما قد ينتج عنه تأجيل وإرجاء خطوات خفض قيمة الجنيه المصري أو تعويم الجنيه.
وتشير التوقعات إلى إمكانية رفع قيمة قرض الصندوق، بسبب تفاقم الضغوط الاقتصادية على البلاد جراء الحرب في غزة والتوترات المتزايدة في البحر الأحمر، وتأثيراتها السلبية على عوائد قناة السويس.
وذكر تقرير حديث صادر عن شركة الأبحاث، فيتش سوليوشنز، إحدى شركات فيتش جروب، أن صندوق النقد الدولى سيكون مرنًا مع السلطات المصرية خاصة فى مسألة سعر الصرف والتى تفضل مصر فيها نظام العملة المدارة على التعويم الحر، وهو ما كان شرطا لاتفاقيات صندوق النقد الدولى السابقة.
أضافت: ”لكن ونظراً لصعوبة البيئة الخارجية والأهمية السياسية لمصر، فإن الصندوق قد يتنازل عن هذا الشرط ونتوقع، أيضًا أن يتم صرف جزء كبير من التمويل على الفور".
ونوهت إلى أنه حتى قبل الحرب، كانت هناك تقارير تشير إلى احتمال زيادة البرنامج المالى لصندوق النقد الدولى فى مصر من 3 مليارات دولار إلى 5 مليارات دولار.
وتوقعت أن يصل برنامج مصر مع الصندوق إلى 8 مليارات دولار، وأن تحصل أيضًا على تمويل كبير من مصادر ثنائية، ويشمل ذلك التمويل من الاتحاد الأوروبى لتمويل مشاريع التنمية التى تهدف إلى خلق فرص العمل والحد من الهجرة.