اعتادت جماعة "الإخوان" في ليبيا على عرقلة أي شيء ليس مفصلاً على مقاس أعضائها.
فبعد التعرض والمعارضة والرفض لقوانين الانتخابات الليبية، التي صراحة لم تُقصِ أحداً بمن فيهم جماعة "الإخوان"، إلا أن "الإخوان" كانوا من أول وآخر الرافضين لهذه القوانين وشروط الترشح، لأنهم كانوا يرغبون في وضع قيود تقصي الكثيرين من الترشح.
ولكن عجلة الانتخابات الليبية انطلقت بإعلان المفوضية العليا للانتخابات البدء في تلقي طلبات الترشح للرئاسة وكذلك لمجلس النواب، فالشعب الليبي يستحق مستقبلاً خالياً من العنف والصراع، والتكالب والتدخل الخارجي في شؤونه.
ولكن يبقى انطلاق صافرة بدء الانتخابات محفوفاً ومحاطاً ورهن مخاوف عرقلتها، بل وحتى منعها بالتهديد، فلم تكن الانطلاقة بالأمر السهل ولا الهين، ولا أظن الطريق مفروشاً بالورود أمام سلاسة العملية الانتخابية، في ظل ظهور أصوات تهدد بالمقاطعة، وأخرى تجاهر بالتهديد بمنع الانتخابات من الحدوث أصلاً، كتلك التهديدات التي أطلقها رئيس مجلس الدولة، الممثل لتنظيم "الإخوان"، رغم زعمه الاستقالة من التنظيم، فقد هدد بالقول: "سنضحي بمئات الآلاف من الجثث مقابل ألا يحكمنا (المشير خليفة) حفتر حال فوزه"، ما يعني رفضاً مسبقاً لنتائج الانتخابات في حال فوز المرشح المعارض لهم، وأنهم من ثم لا يعترفون بالعملية الانتخابية ونتائجها إلا في حالة فوز مرشحهم فقط.
منع الانتخابات بهذا الشكل ووصفها بأنها ستجلب رئيساً "فاشياً أو نازياً جديداً" كما زعم وتوهم، لأن جماعة "الإخوان" كانت ترغب في وضع شروط للترشح الرئاسي تقصي خصومهم وتكون تفصيلاً على مقاس مرشح إخواني أو تابع إخواني، ففي البدء كانوا يرفضون انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، وطالبوا بأن يكون من البرلمان لكي يسهل عليهم اختراق البرلمان كعادتهم، ولكن الرياح جاءت عكس رغباتهم، وأصبح انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب تحقيقاً لمطلب شعبي، مما أثار غضب "الإخوان" الذين يعلمون ضآلة حجمهم في المجتمع الليبي وخسارتهم المسبقة، ولكن تنظيم جماعة "الإخوان" لا تعوزه الحيلة والخداع وتحالف الشياطين مع المجرمين والعصابات والمخربين والمليشيات المسلحة لاستخدامهم في إفزاع الناس وترهيب الناخبين وعرقلتها، بل وحتى منعها.
مطالبة الأنصار بمحاصرة المفوضية العليا للانتخابات ومنعها من أداء عملها تعتبر سابقة خطيرة ومجاهرة بالتمرد، وتهديداً صريحاً للناخبين والمرشحين، بل والتهديد بعدم القبول بالنتائج الانتخابية يعتبر جريمة يطالها القانون، خاصة أنها جاءت علنية، بل وجاهر بها قادة تنظيم "الإخوان" والإسلام السياسي، في ظل وجود أنباء عن جهود دولية لفرض عقوبات على المعرقلين، كما ذكرت "أفريكا إنتلجنس" أن واشنطن تسعى لفرض عقوبات جديدة ضد أطراف في ليبيا لإنقاذ الانتخابات، قد تشمل أعضاء في البرلمان ومجلس الدولة.
منذ انطلاق عجلة الانتخابات والأصوات المعارضة والمعرقلة، بل والمهددة بمنعها، وجميعها تنتمي لتيار الإسلام السياسي، الذي تتزعمه جماعة "الإخوان"، أدركت حجمها الحقيقي في المجتمع الليبي وصعوبة حصولها على نسبة تؤهلها للحكم، سواء في البرلمان أو الرئاسة، فتنظيم "الإخوان" سقط في ليبيا منذ أول انتخابات في 2014 التي رفض نتائجها وتمترس خلف السلاح وقاد حرباً ضروساً عبر المليشيات المسلحة التابعة له فيما عرف وقتها بحرب "فجر ليبيا".
تنظيم جماعة "الإخوان"، الذي اعتاد الخداع واستخدام المظلومية والكذب البواح والتحالف مع باقي شياطين العالم، لأجل الوصول للحكم، هو تنظيم سياسي في ثوب ديني، وحقيقة هو تنظيم مفلس سياسياً، مبتدع دينياً كما أجمع عليه أغلب فقهاء الأمة الصحاح.
تنظيم جماعة "الإخوان" رغم صغر حجمه في الشارع الليبي، فإنه من خلال منظومة الخداع واستخدام المال الفاسد استطاع أن يحقق اختراقاً بين الصفوف ليفرقها، إلا أنه في هذه المرة افتضح أمره وكشفت مخططاته ولم يعد باستطاعته ترشيح حتى من هم في الصفوف الخلفية والمجهولين بين جماعته ليضلل بهم الناخب بكونهم ليسوا إخواناً، ولهذا أصبح التنظيم في ورطة كبيرة، فالانتخابات ضامن خسارتها مسبقاً، الرئاسية والبرلمانية، وأصبح خارج المعادلة الليبية، ولهذا تعالت أصوات قادته بالرفض، وانتابت بعضهم حالات هيستيريا كشفت عما في دواخلهم من أذى كبير للناس وكره وغل وبغض للمجتمع، الذي يعيشون ويقتاتون فيه بل وينهبون خيراته.
الشعب الليبي قرر الاستقرار وخوض الانتخابات التي انطلقت مسيرتها ولا يضيرها نبح الكلاب ولو تعالى عواؤها إثر أوجاعها.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة