شكّلت محاولة اغتيال رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، تطورا خطيرا، فالمستهدَف فيها كانت رئيس الوزراء، الذي يمثل رمز سيادة العراق.
المسألة هنا تكشف خطورة دور القوى، التي تقف وراء محاولة الاغتيال، ومدى استهتارها بالدولة العراقية ومؤسساتها، وعمق انخراط هذه القوى في أجندة تهدد العراق ومستقبل العراقيين.
لا تبدو المحاولة بعيدة عن نتائج الانتخابات، التي خسرت فيها فصائل الحشد الولائية التابعة لإيران، تلك الفصائل، التي رفضت نتائج الانتخابات، ونزلت إلى الشارع واقتحمت بوابات المنطقة الخضراء، ولعل اللافت هنا هو نقل الجهة المنفذة لمحاولة الاغتيال حربها الكلامية ضد "الكاظمي" إلى هجوم فعلي عليه.
والسؤال ماذا لو كانت هذه المحاولة قد نجحت؟
دون شك، الإجابة المختصرة هي توجية ضربة قاضية لسيادة العراق، وإسقاط خيار الدولة، وإدخال العراق في فوضى كاملة، وربما في حرب طائفية لن تنتهي إلا بتدمير العراق.
ومع عدم إعلان أي طرف أو جهة مسؤوليته عن محاولة الاغتيال حتى لحظة كتابة هذا المقال، ثمة قضية لافتة تتعلق بالأداة المستخدمة في محاولة الاغتيال، وهي الطائرات المسيّرة، والسؤال هنا: مَن يملك هذه الطائرات في العراق؟ ومَن استخدمها خلال الفترات السابقة ضد الممثليات الأجنبية والسفارة الأمريكية في بغداد ومطار أربيل؟
أعتقد أن المراقب البسيط للأوضاع في العراق لن يجد صعوبة في معرفة الجهة، التي نفذت المحاولة الفاشلة لاغتيال "الكاظمي"، في ضوء معرفة الأداة المستخدمة، إذ إن هذه الأداة تؤكد أنها الجهة نفسها، التي استخدمت مرارا المسيّرات والصواريخ ضد المصالح الأجنبية ومطار أربيل، فالمليشيات التي هُزمت في السياسة، لم تخسر الانتخابات فقط، بل خسرت ناخبها الشيعي، وهنا الكارثة الحقيقية لها، ولعل هذا ما يفسر جنونها وإصرارها على البقاء في السلطة بالقوة، دون أي اعتبار للانتخابات، التي يُجمع الكل بالداخل والخارج على أنها كانت نزيهة وعلى درجة عالية من التقنيات الحديثة.
دون شك، الطرف الذي حاول اغتيال "الكاظمي" له مشروع سياسي ضد العراق، ولا يقبل بنتائج الانتخابات التي جرت، وكان يريد من هذه المحاولة عرقلة العملية السياسية، التي انطلقت عشية إعلان النتائج النهائية للانتخابات، وربما كان يريد من خلال محاولة الاغتيال الاستيلاء على السلطة، وتوجيه ضربة قوية للقوات المسلحة العراقية على شكل انقلاب ضده، لصالح "قوى اللا دولة".
استهداف "الكاظمي" على هذا النحو يكشف أهمية الدور الذي قام به الرجل خلال فترة قصيرة من تسلُّمه رئاسة الحكومة العراقية، ففي وقت قياسي نجح في إجراء انتخابات المأمول منها نقل العراق إلى مرحلة جديدة، كما نجح في استعادة كثير من قدرات الدولة، وتفعيل دور القوى الأمنية، وملاحقة شبكات القتل والاغتيال، وإعطاء الزخم للعملية السياسية في الداخل، وعلى مستوى الخارج نجح في إعادة بعض التوازن إلى العلاقات العراقية، والانفتاح على العالم العربي بدلا من الارتهان إلى العلاقة مع إيران والتبعية لها، وعليه وجدت المليشيات في هذا النهج خطرا مصيريا على مستقبلها، خاصة إذا برز "الكاظمي" كرجل توافقي لشغل منصب رئيس الوزراء في المرحلة المقبلة، لاستكمال ما حققه في ما مضى.
ما جرى ضد "الكاظمي" يضعنا من جديد أمام معادلة "قوى اللا دولة" في مواجهة "قوى الدولة"، وللاستمرار في مسيرة الدولة، لا بد من خطوات حاسمة، وأولى هذه الخطوات، هو التحقيق الجدّي بما يؤدي إلى الكشف عن هوية منفذ محاولة الاغتيال، والجهات التي تقف وراءها، والكف عن نهج التساهل مع المليشيات، خاصة أن هذا النهج شجَّع المليشيات على التمادي في النَّيْل من الأمن والسيادة، ولعل الأمر يتطلب خطوة تاريخية من مرجعية النجف في نزع الشرعية عن هذه المليشيات، كما يتطلب من القوى السياسية العراقية الإسراع في عملية تشكيل حكومة وطنية جديدة في ضوء نتائج الانتخابات، وذلك لقطع الطريق أمام هذه المليشيات وابتزازها الدولة العراقية، كذلك مطالبة إيران، القوة الداعمة لهذه المليشيات، بالكف عن هذا الدعم، وتغليب المصلحة العليا مع العراق كدولة على العلاقة الخاصة مع مليشيات مسلحة.
باختصار مرحلة ما بعد محاولة اغتيال "الكاظمي" ينبغي أن تكون مختلفة لجهة التعامل مع المليشيات داخل العراق، ودون ذلك، فإن هذه المليشيات ستواصل، بل ستزيد، استهدافها لكل مَن يقف في وجه مشروعها المحمّل بأجندة إقليمية، وهو بالتأكيد ما سيؤدي إلى تقويض سيادة العراق ومؤسساته الشرعية ويدفعه نحو المجهول.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة